إعلام عبري: فلسطين انتصرت على “إسرائيل” في مونديال قطر

“إنها فلسطين، لا يوجد إسرائيل”. هكذا رفض الشعب العربي وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي ضاقت بمراسليها شوارع العاصمة القطرية، وأغلقت أمامها كلّ الطرق المؤدّية إلى قلوب وعقول الشعب العربي على اختلاف جنسياته وألوانه ولباسه وتقاليده. فما سمعه المراسلون الإسرائيليون منذ انطلاقة مونديال كرة القدم، ليس أقلّ من أزيز الرصاص الفلسطيني الذي أتعب يوميّات المستوطنين على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، وليس أقلّ إرباكاً على الحكومة الإسرائيلية من العمليات الفدائية التي تشغل أوقات قادتها، وليس أقلّ وقعاً على إعلام الاحتلال الذي انهمك في انتشال “صحافييه” من ورطتهم.
اتّسعت مساحة قطر الصغيرة لملايين الوافدين من كل أنحاء العالم، لكنها لم تتّسع لبضعة مراسلين يمثّلون عقوداً وسنوات وأياماً من ثقل القهر والقتل والعنف والفتنة. سماح قطر الدولة لـ”إسرائيل” بتغطية الحدث العالمي، لم يمنع العرب شعباً من التعبير عن الحقيقة المجهولة في “تل أبيب”، وهي أن اتفاقيات التطبيع لم تتجاوز بعد حدود القصور الملكية والمؤسسات الحكومية، وما هي حتى الآن إلا بضعة آلاف من التغريدات الافتراضية من بين عشرات الملايين من المشاعر الواقعية، هكذا أشارت استطلاعات الرأي التي أوقعت “إسرائيل” نفسها فيها.
تقول صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “مراسلونا في قطر فهموا إلى أي حد إسرائيل مكروهة في العالم العربي”، وتنقل الصحيفة عن مراسليها قولهم “في الشارع يلاحقنا فلسطينيون وإيرانيون وقطريون ومغاربة وأردنيون وسوريون ومصريون ولبنانيون بنظرات ملأى بالكراهية ويكيلون لنا الشتائم التي يمكن فهمها، يريدون مسحنا من على وجه الأرض، إلى أي مدى يثير كل ما يتعلق بإسرائيل حقداً شديداً في نفوسهم، لكننا سنغادر هنا بشعور سيئ جداً”.
أحد مراسلي القنوات الإسرائيلية حاول الحديث إلى مشجّع سعودي، ففوجئ بالغضب الذي انفجر في عيون المشجّع وعلى لسانه، مع أنه مواطن لدولةٍ يفترض أنها الراعي الأول لمشاريع المحور الأميركي-الإسرائيلي، فلم يستطع المراسل إخفاء إحباطه أمام موقف السعودي الذي رفضه قائلاً: “لا يوجد إسرائيل، إنها فلسطين، هيا ارحل من هنا”.
في أحد أسواق قطر الشعبية، يقترب مراسل إسرائيلي من مواطنٍ قطري ويخبره بأنه من إذاعة إسرائيلية، فيتعجّب القطري، ثم يسأله المراسل العبري إن كان ذلك جيّداً؟ فيرد القطريّ: “لا ليس جيداً”، ثم ينسحب رافضاً إجراء مقابلة معه.
يمكن وصف ما يتعرض له المراسلون الإسرائيليون بأنه هجوم فاشل في إطار حرب الكيان الناعمة على العرب والمسلمين، وهو ما لم يمرّ ولن يمرّ من دون ردّ “إسرائيل” على الطريقة نفسها التي تتعامل فيها ضد كل من يعرقل طريقها، وهو ما ألمح له الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين بالقول إن “قطر ستدفع الثمن غالياً”، ورأى عضو الكنيست عميحاي شكلي أن قطر هي “التوأم السني لإيران ولا داعي للإحباط منها لأنها بلد معادٍ بكل معنى الكلمة”، وهو ردّ فعل غير مستغرب، فبقدر ما يراه الشعب العربي انتصاراً لآهات فلسطين، يراه الإسرائيليون هزيمة مدوّية لكلّ ما بنوه في السنوات القليلة الماضية مع الدول المجاورة منذ توقيع اتفاقيات أبراهام، وهو الذي سيدفع وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى بدء حملة تحريضية انتقامية مُفلسة ضد قطر الدولة، علماً أن ما يحدث لا علاقة للسلطات القطرية به، إذ هو هجوم شعبي عربي عفويّ.
مليارات الدولارات التي دفعتها قطر لإقامة العرس الكروي، أصابت عن غير قصد “تل أبيب” في خاصرتها، بعدما سقط الساتر الإعلامي الذي كان يكمّ أفواه أحرار العالم العربي، مفرجاً عن قمّة شعبيّة عربيّة تستعيد ذاكرة النضال العربي في بدايات الاحتلال، ولا شكّ في أن بيانها الختامي سيكون نشيداً ثورياً اشتاقت فلسطين إلى بصماته وكلماته.