قدرت ما سيقوله نصرالله من يوم أمس تقريباً؛ وودت أن يخيب ظني بما ذهبت إليه من ظن.
لماذا؟ لأن مناصرته لغزة لا تحتاج لخطاب، بل تحتاج لإطلاق العنان لنيران المدافع والصورايخ بلا خطابات أو مقدمات، المعركة مفصلية وتستحق التدخل الفوري، لا التدخل المنسق الخالي من دسم المباغتة، تم ذلك لأن السيد فضل الاكتفاء بالمستوى الحالي من مستويات الاشتباك وإطلاق النار.
وأطل على الأمة متأخراً؛ على نحو مكن دولة الاحتلال الإسرائيلي من القاء يعادل قنبلتين نوويتين من الذخائر على غزة، وقتل 10000 شهيد حتى تاريخه، وجرح أكثر من 30000 جريح حتى تاريخيه.
لهذا كان خطابه تبريراً لعدم تدخله، ومخيباً للآمال؛ بل أكثر من ذلك، لأنه تضمن لإعلان براءة إيران من هجوم حماس على (إسرائيل)، وبالتالي براءة حزب الله من الأمر نفسه.
وهو ما فهم من زيارة نصرالله للرئيس السوري بشار الأسد قبل يومين، لتنسيق موقف محور المقاومة، واستقر رأيهما على ما جاء في خطاب نصر الله، لأن سوريا ليست جاهزة للمعركة، وحزب الله ليس مستعداً لإدخال لبنان المثقل بالأزمات في حرب جديدة.
وكلاهما لن يكونا قادرين على تبديد فرصة إيران، للفوز بجائزة رفع العقوبات عنها، والعودة لاتفاقها النووي مع الغرب، بعد أن منحت نفسها حق التضحية بحماس والغدر بها.
لهذا فإن (إسرائيل) ستكف عن استفزاز حزب الله، وستتفرغ لمضاعفة ضغطها على غزة، بلا خشية على مؤخرة جيشها، وبلا قلق من توسع دوائر الحرب.
لقد منح نصرالله مخططات إبادة غزة، وتهجير سكانه منه؛ الدافع الذي يلزمه، وهو الذي لا يمكن صده بعد الآن؛ إلا بصمود المقاومة وتشبث شعبنا بأرضه ودياره.
لقد جدد نصر الله الأمل لدى الجيش الإسرائيلي، بتحقيق النصر على غزة، وعقد الحالة الاستراتيجية للمعركة، وعزز احتمالات هزيمة المقاومة، إلا إذا تدخلت السماء، لأن ربوبيته المولى في خطر، فوالله لو غلبت تلك العصبة في غزة، فلن تعبد يا رب في الأرض أبداً بعد هذا اليوم.
بعد أن أسقط خطاب نصر الله، ورقة التوت الأخيرة، عن العورة الأخيرة لحلف الممانعة، وأزال الغشاوة التي كانت على عيون الأمة، وتمنعه من رؤية حقيقة المحور المحتال، الذي أجاز لحزب الله التدخل في سوريا وذبح أبناء الملة والدين الواحد، لإنقاذ النظام، ومنع الحزب نفسه من نصرة أبناء الملة في غزة لأن العدو مختلف.
يفهم من هذا أن (إسرائيل) ستمضي حتى نهاية الشوط في هجومها المميت على غزة، بينما كانت جاهزة اليوم للموافقة على هدنة إنسانية، واختصار المعركة هذا اليوم.
أما الآن فلن يوقف المعركة سوى نصر المقاومة الفلسطينية لوحدها، ولن يوقف زحف الدبابات سوى أكوام الضحايا التي قد تعيق حركتها، ولن يغرق الغزاة في وحل الهزيمة سوى بحار الدم النازفة من جثامين الشهداء، ومن جراح الجرحى التي لا تكف عن النزيف، والتوظيف الصحيح للضعف الفلسطيني.
الآن نحن لوحدنا وجها لوجه ضد الإمبريالية والاستعمار والرأسمالية ونظمهم السياسية كافة، بلا سند أو نصير، سوى يد المولي التي لن يقطع الرجاء من مدها للمعذبين في أي لحظة وحين.