نتنياهو في نيويورك – خلفه اتهامات وأمامه احتجاجات

السياسي – وصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة، في أول زيارة له منذ تشكيله حكومته السادسة، في مطلع العام الجاري، ومِن المنتظر أن يلتقي الرئيس الأمريكي لقاءً شبه رسمي أقل قيمة وأهمية من لقاءات سابقة، بدون طقوس احتفالية، داخل فندق في نيويورك، وليس داخل البيت الأبيض، بخلاف تقاليد زيارات رؤساء الحكومات الإسرائيلية لواشنطن، وسط تسريبات عن تجميد السعودية مداولات التطبيع.
وطبقاً لمصادر إسرائيلية، سيتناول بايدن ونتنياهو عدة مواضيع، منها العلاقات الثنائية الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إيران واحتمالات التطبيع مع السعودية، ومدى جاهزية نتنياهو وحكومته لتلبية طلبات خاصة بالفلسطينيين.
بايدن، الذي دخل في الحملة الانتخابية، وحالته فيها ليست في أفضل حال، من المنتظر أن يعلن التزامه بأمن إسرائيل، ويكرّر إشادته بالعلاقة الحميمية مع إسرائيل، لكن من غير المستبعد أن “يلسع” نتنياهو، خلال المؤتمر الصحفي، من خلال “درس متلفز في المدنيات والمواطنة، في إشارة لمعارضته المعلنة لـ “الإصلاحات القضائية” في إسرائيل، ولتحفظه المعلن أيضاً على حكومتها “الأكثر تطرفاً”، كما قال بنفسه قبل شهور. على الأقل، وطبقاً لتوقعات مراقبين إسرائيليين، سيحرص الجانب الأمريكي على منع نتنياهو من استغلال اللقاء لأغراض دعائية موجهّة للإسرائيليين ضمن السجالات الداخلية حول “الإصلاحات القضائية”.
على خلفية ذلك، ومع استمرار الاحتجاجات الداخلية ضده، حَمَلَ نتنياهو بشدة، قبيل صعوده للطائرة في مطار اللد، على المتظاهرين، فقال إن المتظاهرين ضده في إسرائيل والولايات المتحدة يتحدون مع إيران ومع منظمة التحرير الفلسطينية. وعن المظاهرات التي تنتظره في الولايات المتحدة بمشاركة إسرائيليين وأمريكيين، قال نتنياهو إنها تتجاوز كل الحدود، تشرعن إغلاق المفارق والشوارع في البلاد، وتشهّر بإسرائيل في العالم، وهذا أمر غير عادي، وهي ترفد بتنظيم وتمويل كبيرين.
المعركة على الوعي
وفي نطاق المعركة المستمرة على وعي الإسرائيليين والعالم، تابع نتنياهو: “أنا كرئيس معارضة لم أفعل مثل ذلك”. وعن سفره لأمريكا تحاشى ذكر السعودية، مكتفياً بالتلميح بقوله إنه سيلتقي بايدن، ويتباحث معه في مواضيع تتعلق بإيران وتوسيع دائرة السلام”. كما هو متوقع ركّز نتنياهو تصريحاته الصحفية، عشية اللقاء ببايدن، على المشروع النووي الإيراني فقال إن طهران تنتهك كل التزاماتها وتكذب بوقاحة، وترمي لإنتاج سلاح نووي ومواصلة عدوانيتها في المنطقة، و”سنحارب هذين الأمرين معاً”.
في المقابل يؤكد قادة الاحتجاجات في تل أبيب أن نتنياهو يربط بين إسرائيل وبين بولندا، وهنغاريا، وتركيا، وإيران، ذات الأنظمة الدكتاتورية الظلامية، وأنه هو من يدمّر صورة إسرائيل في العالم، وأن الأمر الوحيد القادر على إنقاذها هو المظاهرات والمتظاهرون الذين يحافظون على القيم الديموقراطية داخل إسرائيل”.
وكان الآلاف من الإسرائيليين قد تظاهروا، ليلة أمس، في تل أبيب، وفي مداخل مطار اللد الدولي، تزامناً مع سفر نتنياهو للولايات المتحدة. ومن المتوقع أن يتظاهر المئات من الإسرائيليين واليهود في الولايات المتحدة في مظاهرة مركزية في نيويورك ضد “الانقلاب على النظام”. ويخطط قادة الاحتجاج لتنظيم مظاهرات ضد نتنياهو مقابل مقر الأمم المتحدة، ومقابل الفندق الذي ينزل فيه.
من جهته، حَمَلَ وزير القضاء في حكومة الاحتلال ياريف لافين، المبادِر لـ “الإصلاحات القضائية”، المتهم بقيادة “الانقلاب على النظام” في إسرائيل، على المتظاهرين أيضاً، فقال، في برنامج “60 دقيقة” التلفزيوني الشهير، إنه إذا نجحت الاحتجاجات في الشوارع تصبح الانتخابات العامة فارغة وبلا قيمة”.
ويعتقد محلل الشؤون السياسية عكيفا إلدار، في مقال نشرته “هآرتس”، أن لقاء بايدن نتنياهو فرصة لمرة واحدة كي تحصل واشنطن على إجابات إسرائيلية. وقال إلدار إن بايدن أحسنَ صُنعاَ عندما قرّر عدم تلبية مطلب آلاف المثقفين اليهود الذين دعوه، في عريضة، لعدم اللقاء بنتنياهو هذه المرة، كونه هو رئيس “الانقلاب على النظام”. ويعلّل إلدار رؤيته هذه بالقول إنه ينبغي توجيه الشكر للرئيس الأمريكي على استعداده قضاء ساعة مع نتنياهو المتهم بالفساد والغش والخداع وانتهاك الثقة، والذي أسّس حكومة سادسة له مع أحزاب نيو فاشية.
معيقات إسرائيلية أمام مخطّطات أمريكية
وتزداد مشاعر القلق وخيبة الأمل في البيت الأبيض من حكومة الاحتلال، خاصة الوزراء المستوطنين الغيبيين والمتشدّدين فيها، والرافضين لـ أي “تنازلات” أو “خطوات حسن نية” للفلسطينيين- وفق ما قالته صحيفة “هآرتس” العبرية، نقلاً عن مصادر أمريكية وإسرائيلية. الإدارة الأمريكية المعنية بصفقة ثلاثية مع إسرائيل والسعودية، لاعتبارات إقليمية ودولية تتعلق بمصالح كبرى في الشرق الأوسط وبالصين وإيران وروسيا، علاوة على حسابات انتخابية لدى بايدن، تفحص إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل.
عن ذلك تكشف “هآرتس”، اليوم، أن مستشاري بايدن تحدّثوا، في الآونة الأخيرة، مع رئيس المعارضة يائير لبيد بهذا الخصوص، لكنه رفض فكرة انضمام حزبه لحكومة برئاسة نتنياهو.
من جهته حَمَلَ رئيس “الحزب الدولاني” بيني غانتس أيضاً على حكومة نتنياهو، وقال إنها تمزّق العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، رافضاً، هو الآخر، فكرة حكومة الوحدة الوطنية. ولذا تنقل “هآرتس” أيضاً عن المصادر المذكورة توقعها أن يبادر بايدن لسؤال نتنياهو، في لقائهما بعد غد الأربعاء، لأي مدى مستعد للذهاب من أجل صفقة أمريكية سعودية إسرائيلية، وهل تستطيع حكومته القيام بخطوات مستحقة في السياق الفلسطيني؟ وتشير هذه المصادر لقلق الإدارة الأمريكية من أن الواقع السياسي الداخلي في إسرائيل يعيق المساعي الأمريكية الدبلوماسية مقابل السعودية، بسبب المواقف المتطرفة لوزراء بارزين في حكومة الاحتلال.
“رضينا بالبين والبين ما رضي فينا”
وقبيل بلوغ نتنياهو للولايات المتحدة، قال السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة غلعاد أردان إن التهم الموجهة لنتنياهو بقيادة “انقلاب على الدستور” و”المساس ” بصورة وهيبة إسرائيل في العالم غير مبررّة، وحمل على المتظاهرين الذين يخططون للتظاهر ضده، يوم الجمعة، مقابل الأمم المتحدة، معتبراً ذلك مساً بمصالح إسرائيل.
في حديث للإذاعة العبرية العامة، قال إردان أيضاً إنه لم يسمع عن قرار سعودي بتجميد مداولات التطبيع مع السعودية، ورجح أنه بالإمكان التقدم في مسار التطبيع معها، إن رغبت الحكومة الإسرائيلية بذلك. لكن مصادر صحفية محلية تواصل التأكيد على أن واشنطن أبلغت تل أبيب بوقف الرياض مداولات التطبيع السرية، على خلفية رفض حكومة الاحتلال تقديم “تنازلات” للفلسطينيين. وتنقل وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية وسعودية (موقع “إيلاف”) عن مصادر تؤكد ذلك. ويبدو أن السعودية قد استنتجت أن من يهن يسهل الهوان عليه، فرغم كل خطوات ولقاءات التطبيع السرية والعلنية، وتراجعها عن مبادرة السلام العربية، وهي في الأصل سعودية، فإن حكومة الاحتلال لا تكترث برغبتها بعقد صفقة ثلاثية تشمل تطبيعاً مع إسرائيل. وحسب ما يرشح من تسريبات، وما يرد خلف السطور الإسرائيلية، فإن السعودية تريد موافقة أمريكية- إسرائيلية على فرن ذريّ لأغراض مدنية، أسلحة أمريكية متطورة، وضمانات أمنية من واشنطن، وبعض الخطوات العينية لصالح الفلسطينيين. لكن السعودية تصطدم بحكومة احتلال لا تكترث لكل ذلك، وتبحث عن حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، لا إدارته، وتعتقد أن السلام مع العرب غير ممكن، وإن كان لا بدّ فهو سلام مقابل سلام فقط، ويبدو أن الرياض استنتجت ما استنتجه الرئيس الفلسطيني، بعد عقود من الرهان على المفاوضات، ومفاده “أننا رضينا بالبين والبين ما رضي فينا”، كما يقول المثل الشعبي، وهذا ما دفعها لتسريب موضوع تجميدها مداولات التطبيع، قبل يومين، خاصة أن جهات إسرائيلية على رأسها نتنياهو تلوح بها كمحاولات كسب نقاط سياسية ضمن الصراع الإسرائيلي الداخلي، دون أي نية للتقدم فعلاً نحو الصفقة المذكورة، بسبب معارضة المستوطنين والوزراء الغيبيين في حكومته.
اللقاء مع إيلون ماسك
ويساور القلق أيضاً أوساطاً يهودية في الولايات المتحدة من حكومة نتنياهو المتطرفة والعنصرية، فعلاوة على اللقاء مع بايدن، يوم الأربعاء، وخطابه في الأمم المتحدة، يوم الجمعة، من المخطّط أن يلتقي نتنياهو في نيويورك، على هامش أعمال الأمم المتحدة، رئيس أكرانيا زيلينسكي، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب مع روسيا. ومن المخطّط أيضاً أن يلتقي نتنياهو في نيويورك الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، والمستشار الألماني أولف شولتس، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك ياؤول.
وقبيل بلوغه نيويورك سيصل نتنياهو لفرانسيسكو، على الساحل الأمريكي الغربي، ما سيطيل وقت السفر وصولاً لنيويورك، وكل ذلك من أجل اللقاء بالثري الأمريكي إيلون ماسك مالك، شركة “تسلا” وشبكة التواصل “إكس”. يشار إلى أن توتّراً يسود بين ماسك وأوساط يهودية واسعة بسبب معتقداته المؤمنة بحرية تعبير واسعة في منتديات التواصل الاجتماعي، لدرجة توجيه انتقادات لاسامية، ولذا فهو متهم من قبلها بتشجيع اللاسامية، وهو من جانبه يتهم أوساطاً يهودية باستغلال القوة المالية للتحريض ضده وضد “إكس”.
يتحدث بالإنكليزية وأقواله موجهّة لآذان الإسرائيليين
واليوم، هاجمت صحيفة “هآرتس” نتنياهو، في افتتاحيتها، وقالت إن حكومته دهورت إسرائيل لحضيض غير مسبوق بكل ما يتعلق باللاسامية في العالم. وضمن أمثلتها على ذلك قالت “هآرتس” إنه فيما ترفع الكراهية العتيقة لليهود في العالم رأسها، فإن حكومة إسرائيل بالذات تقوم بمنح الشرعية لمن يبثّها، كـالحزب اليميني المتطرف في رومانيا “إيه يو آر”، الذي يمتاز قادته بنكران المحرقة النازية، لكن ذلك لم يمنع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهن من اللقاء بهم، في الأسبوع الفائت.
وتتابع “هآرتس”: “..وهكذا مع نتنياهو الذي سيلتقي ماسك، المعروف بمواقفه اللاسامية، ويبدو أن نتنياهو لا مشكلة لديه في لقاء من يشكلون تهديداً على اليهود، طالما أن ذلك يخدم مصالحه السياسية الضيقة. وكل ذلك وسط استخفاف متواصل بالجالية اليهودية في الولايات المتحدة، والتي طلب مندوبوها في فرانسيسكو اللقاء به وإطلاعه على خطورة ماسك، ومن المرجح ألا يلبي طلبهم”.
على خلفية هذه الاحتجاجات والأوضاع السياسية والتوترات مع الحزب الديموقراطي الأمريكي، يصل نتنياهو هذه المرة للولايات المتحدة والرياح فيها لا تجري بما تشتهيه سفنه، ولن يحظى باستقبال حافل وبزفّة إعلامية رسمية في البيت الأبيض، بعكس زيارات سابقة له. نتنياهو طالما استغل اللقاءات والزيارات والخطابات في العالم كي يعزّز مكانته، ويرمّم هيبته في عيون الإسرائيليين، خاصة أنه مجرّب ويتحدث بإنكليزية عالية، لكن هذه المرة يصل للولايات المتحدة “بطة عرجاء” بسبب الاستقبال غير الاحتفالي الأمريكي له، واستمرار الاحتجاجات الإسرائيلية- الأمريكية ضده.