الجريمة البشعة التي شهدتها بلدة دير استيا في محافظة سلفيت، حيث أقدمت عصابات المستعمرين المتطرفين على إحراق مسجد الحاجة حميدة وتدنيس حرمته وإحراق نسخٍ من القرآن الكريم وكتابة شعاراتٍ عنصرية باللغة العبرية، ليست حدثًا عابرًا بل جزء من سياسةٍ ممنهجة تمارسها حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، التي ترعى إرهاب المستوطنين وتوفر لهم الحماية والغطاء السياسي. هؤلاء يتحركون بحرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بسياراتٍ رباعية الدفع مزودة بالسلاح، تحت حماية جيشٍ لا يعتقل المجرمين بل يحميهم، في تكاملٍ فاضح بين إرهاب الدولة وإرهاب المستوطنين.
ولا يقتصر الإرهاب على دير استيا، فقد شهدت بيت ليد في طولكرم اعتداءاتٍ مماثلة، حيث أحرق المستوطنون سيارات وممتلكات خاصة واعتدوا على منازل المواطنين، فيما تتواصل الجرائم في القرى والبلدات الفلسطينية خلال مواسم قطاف الزيتون عبر الاعتداء على المزارعين وسرقة محاصيلهم واقتلاع أشجارهم، في محاولةٍ لاقتلاع الفلسطيني من أرضه وتحويل الريف إلى مجالٍ مفتوحٍ للتوسع الاستيطاني. إنها سياسة تطهيرٍ عرقيٍ منظّم هدفها تفريغ الأرض من أصحابها الأصليين وفرض واقعٍ استعماريٍ جديد.
إنّ هذا الإرهاب المتواصل، المدعوم رسميًا من حكومة الاحتلال، يشكّل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، فيما يقف المجتمع الدولي موقف المتفرج مكتفيًا ببياناتٍ لفظيةٍ لا توقف جريمةً ولا تحمي ضحية. إنّ الصمت والتقاعس عن المحاسبة ليسا حيادًا بل تواطؤٌ صريحٌ مع الجلاد وتشجيعٌ على استمرار القتل والحرق والتهجير.
ورغم هذا كله، فإنّ الشعب الفلسطيني، الذي واجه المجازر منذ النكبة وحتى اليوم، لن يركع ولن يغادر أرضه. فالمساجد المحروقة ستظلّ مناراتٍ للحق، وأشجار الزيتون المقطوعة ستنبت من جديد، والمزارعون الذين يُعتدى عليهم سيواصلون زرع الأمل والصمود في تراب الوطن.
إنّ المطلوب تحركٌ دولي عاجل لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، وفرض العقوبات عليه، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ومقدساته. فمهما توحّش المستوطنون ومهما اشتدّ الحصار، سيبقى الفلسطيني حارس الأرض والذاكرة، ومن رماد الحرق يولد دائمًا فجر الحرية القادم.
د. عبد الرحيم جاموس







