الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وإعلان الاستقلال

عمران الخطيب

من الجزائر، بلد الشهداء والتحرّر من الاستعمار، عقدت في العاصمة الجزائرية الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني بين 12 و15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988، وهي دورة استثنائية شهدت إعلان البيان السياسي الفلسطيني لإعلان الاستقلال.

وقد سبقت هذه الدورة الدورة الثامنة عشرة التي انعقدت عام 1987 عقب اندلاع الانتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني، حيث شكّلت محطة مهمّة في بلورة المسار الوحدوي للنضال الوطني الفلسطيني من خلال الحوارات الداخلية التي سبقت انعقاد المجلس، والتي تمخّضت عن تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة بمشاركة مختلف الفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية المستقلة، باستثناء حركة حماس التي لم تنضم إلى القيادة الوطنية الموحدة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. لذلك عُرفت الدورة الثامنة عشرة بدورة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

وبعد عام من النضال الشعبي الذي مثّلته الانتفاضة الأولى، بدأ العالم يلتفّ حول قضية شعبنا، داعمًا صموده في مواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي بالحجارة، في شكل من أشكال المقاومة الشعبية، التي دفعت العديد من الدول والشعوب إلى الوقوف إلى جانب الحقوق الوطنية الفلسطينية، وإسناد النضال من أجل التحرّر والاستقلال وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي العنصري.

وبعد مرور عام على دورة الوحدة الوطنية، جاء انعقاد الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر لتبلور موقفًا سياسيًا فلسطينيًا جديدًا يعتمد توجّهًا واضحًا نحو العمل السياسي والدبلوماسي. وقد شكّلت هذه الدورة، بما تضمنته من تبنٍّ لقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بمثابة جواز مرور سياسي يضمن قبول العالم لإعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر، استنادًا إلى المرجعيات الدولية والقرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.

لم تكن هذه المواقف من منظمة التحرير الفلسطينية، ممثّلة بالمجلس الوطني الفلسطيني، مجرد اعتراف بالشرعية الدولية، بل كانت السبيل الوحيد في تلك الحقبة السياسية المعقّدة. أما اليوم، فإن الظروف العربية والدولية لم تعد كما كانت؛ خصوصًا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك الدول الاشتراكية، ومرور سنوات طويلة على احتلال العراق الشقيق، وما سُمّي بالربيع العربي وما خلّفه من تفكيك للدولة الوطنية وتحويلها إلى كيانات ضعيفة، إضافة إلى غياب الدور القومي العربي. كما تأتي هذه المرحلة بعد عامين من العدوان والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، والدعم المفتوح الذي تقدّمه الولايات المتحدة، برئاسة دونالد ترامب، للعصابات الصهيونية.

أمام هذه المتغيرات، يصبح إنهاء الانقسام الفلسطيني ضرورة وطنية كبرى. ورغم كل التفاصيل، فإن حماية المشروع الوطني الفلسطيني تظل ممكنة فقط من خلال تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية والإجماع تحت مظلتها.
وعليه، على جميع الفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية المستقلة، وفي مقدمتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية من دون شروط أو نقاشات عقيمة، فالأولوية اليوم هي حماية المشروع الوطني وحقوق شعبنا الفلسطيني.