صرح الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه يسعى إلى إحلال سلطة فلسطينية جديدة “غير فاسدة”، على حد وصفه، وعند محاولة البحث عن المقاييس الأميركية لسلطة فلسطينية ترضى عنها وتراها بـ”غير الفاسدة” من الممكن تناول الجوانب التي تشكل نقاط جدل وخلاف بين الطرفين.
في هذا السياق، تبرز عدة قضايا تُعتبر محورية في تحديد الموقف الأميركي تجاه السلطة الفلسطينية. من بين تلك القضايا، المناهج التعليمية التي تُستخدم في مدارس الفلسطينيين، والتي تُعتبر أساسية في بناء الهوية وتشكيل الرؤى والقيم للأجيال القادمة. حيث يرى الجانب الأميركي أن المناهج الفلسطينية القائمة تحتوي على عناصر تحريضية تجاه إسرائيل، ما يزيد من التوترات ويعقد فرص التوافق والسلام بين الطرفين.
فقد أثارت الولايات المتحدة مسألة احتجاجها مراراً على المناهج الفلسطينية جراء التحريض الإسرائيلي الدائم على المحتوى الوطني الفلسطيني للمناهج الدراسية، ففي عهد الرئيس أوباما، كان قد دعا وزير خارجيته جون كيري الرئيس الفلسطيني إلى محاربة ما أسماه “الفساد”، وفي هذا السياق دعا إلى تغيير المناهج التعليمية، كما طالبه بتغيير لغته وخطابه.
وفي عهد الرئيس ترامب، أثيرت أيضا قضية المناهج الفلسطينية، فقد كان قد أعلن مراقب الدولة الأميركي بضرورة فحص أوجه التحريض في المناهج الفلسطينية، وذلك في ضوء الادعاء الإسرائيلي بأن الأناشيد الوطنية الفلسطينية أو الدعوة للتكافل مع أُسر الشهداء والأسرى في مناهج التعليم الفلسطينية تحريض على “العنف”.
أما في عهد الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، فقد أقرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي بالإجماع مشروع قانون لتقييد المناهج الدراسية الفلسطينية، حتى لا يتم تعليم الأطفال الفلسطينيين “شيطنة” الاحتلال الإسرائيلي، على حد وصفهم، وعبرت اللجنة عن رفضها ما يشير إلى أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري من المناهج الدراسية.
وعلى الرغم من هذه المطالب ترفض السلطة الوطنية أي تدخل في المناهج الفلسطينية، فقد جاء على لسان رئيس الحكومة الفلسطينية الأسبق محمد شتيه: “المنهاج الفلسطيني نتاج تاريخنا وثقافتنا ونضالنا وديننا ومساهمتنا الحضارية عبر آلاف السنين”، مشيراً إلى أنَّ “ما لم يتم التنازل عنه على طاولة المفاوضات لن يتم التنازل عنه في المنهاج”.
بالإضافة إلى ذلك، تتداخل الخلافات بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية في مسألة رعاية الأسرى وأُسر الشهداء والجرحى، حيث تُواجه السلطة الفلسطينية ضغوطًا كبيرة لوقف مساعداتها المالية لهؤلاء الأسرى وأُسر الشهداء. يرى الجانب الأميركي أن هذا الدعم يُشجع على العنف ويُعقّد من عملية التسوية السلمية للنزاع.
وقد أصدر الكونغرس الأميركي في العام 2018 ، قانون تايلور فورس، والذي ينص على خصم مبالغ من المساعدات المقدمة للشعب الفلسطيني بقيمة المبالغ التي تخصصها السلطة الفلسطينية للأسرى وأسر الشهداء والجرحى، ما لم تتوقف السلطة عن ذلك.
كذلك تأخذ الولايات المتحدة بعين الاعتبار الاحتجاج الإسرائيلي على قيام البلديات والمدن الفلسطينية بتسمية ميادين وشوارع عامة بأسماء شهداء فلسطينيين، تسميهم إسرائيل “إرهابيين”، بالإضافة للاتهامات الإسرائيلية للتلفزيون والإعلام الفلسطيني بإطلاق دعوات للمساس بدولة إسرائيل.
وتختلف الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية في مسألة التوجه الفلسطيني للمحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الاحتلال، وتعارض هذا التوجه بشدة مدعية بأن المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع باختصاص في هذه المسألة، وأن إسرائيل ليست طرفا فيها، ولم توافق على اختصاصها وللولايات المتحدة على حد وصفها “مخاوف جدية بشأن محاولات المحكمة ممارسة اختصاصها على الموظفين الإسرائيليين”، وأن الفلسطينيين “غير مؤهلين كدولة ذات سيادة، وليسوا بالتالي مؤهلين للحصول على العضوية كدولة في المحكمة الجنائية الدولية أو المشاركة فيها أو تفويض الولاية القضائية إليها”. وأن الولايات المتحدة تجد “أن المستقبل السلمي والآمن والأكثر ازدهارا لشعوب الشرق الأوسط يعتمد على بناء الجسور وخلق سبل جديدة للحوار والتبادل، وليس على إجراءات قضائية أحادية الجانب تؤدي إلى تفاقم التوترات وتقويض الجهود المبذولة للدفع باتجاه حل الدولتين المتفاوض عليه”.
في الختام، يظهر بوضوح أن السلطة الوطنية الفلسطينية تشهد توترات مع الولايات المتحدة بشأن عدة قضايا أساسية. تتعلق هذه القضايا بالمناهج التعليمية ورعاية الأسرى وأسر الشهداء والجرحى والتوجه للمحكمة الجنائية الدولية. من جهة، تصر الولايات المتحدة على ضرورة تغيير المناهج التعليمية ووقف دعم السلطة لكافة أشكال النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، مع التحفظ على التوجه للمحكمة الجنائية الدولية. بينما تؤكد السلطة الفلسطينية على حقها في تحديد مناهجها التعليمية ودعم نضال شعبها واللجوء للقانون الدولي لمحاسبة الاحتلال. ومع وجود هذه الخلافات لن تمنح الولايات المتحدة الأميركية صفة السلطة “غير الفاسدة”، لأي سلطة فلسطينية لا تتنازل عن رعاية نضال شعبها من أجل حريته واستقلاله.
وإذا أرادت الولايات المتحدة حقًا إنهاء ما تعتبره تحريضًا فلسطينيًا ضد الاحتلال، فعليها قبل أي شيء، السعي نحو إنهاء الاحتلال نفسه، فهو المحرض الرئيسي والسبب الجذري للعنف والكراهية وغياب الأمن والسلام في المنطقة.