تشهد المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية خلال السنوات الأخيرة حملة عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة، تتجاوز فكرة “الاقتحام” إلى ما يشبه الهندسة الممنهجة لتفكيك المخيم ومحو قدرته على البقاء. تهدم المنازل، تُقتلع الشوارع والبنى التحتية، تُقسم الأحياء إلى مربّعات مغلقة، وتُدار العمليات بأسلوب عسكري يشبه العمليات التي تنفذها الجيوش في المناطق المُعاد احتلالها بالكامل.
ما يجري لم يعد مجرد “عملية أمنية”، بل هو مشروع سياسي ــ استراتيجي يهدف إلى ضرب العمق الاجتماعي والرمزي للقضية الفلسطينية.كك
لماذا المخيمات؟
المخيمات ليست مجرد تجمعات سكنية فقيرة. إنها:
1. شاهد تاريخي على النكبة
2. مركز رئيسي للهوية الوطنية
3. مصنع مقاومة
4. رأس مال رمزي للقضية الفلسطينية أمام العالم
ومن هنا، يصبح المخيم في الوعي الإسرائيلي خطرًا سياسيًا قبل أن يكون خطرًا أمنيًا.
تقسيم المخيم وتدمير البنية التحتية
عمليات تقسيم المخيمات إلى مربعات وإزالة الطرق ليست عشوائية، بل تخدم أهدافًا متعددة:
• تفكيك قدرة الشبان على الحركة
• تدمير الحاضنة الاجتماعية للمقاومة
• إضعاف تماسك المجتمع الداخلي
• خلق بيئة “منهكة” وغير قابلة للحياة
الهدف أن يتحول المخيم من مكان مقاوم إلى مكان مشلول ومراقَب ومفكك.
الهدم والتدمير: رسالة سياسية
هدم المنازل داخل المخيمات ليس مجرد عقاب، بل رسالة استراتيجية مفادها:
أنتم لاجئون بلا حق… ولا حق لكم في العودة… ولا حتى في البقاء هنا.
إنه سعي واضح لـ ضرب الذاكرة وإلغاء الشاهد على الجريمة التاريخية.
وبمعنى آخر: إسرائيل لا تحارب الإنسان فقط، بل تحارب ذاكرته.
هل تريد إسرائيل إزالة كلمة “لاجئين”؟
نعم، ما يجري يشير إلى ذلك بوضوح. إسرائيل تدرك أن مصطلح “لاجئين” ليس مجرد وصف اجتماعي، بل:
• التزام دولي
• قضية سياسية
• أساس لمطلب العودة
• دليل قانوني على الجريمة التأسيسية (النكبة)
إسرائيل تحاول تجفيف العنصر الرمزي الذي يُبقي القضية حية على المستوى الدولي. إزالة المخيم ليست إزالة بنايات، بل إزالة مصطلح سياسي وثابت تاريخي اسمه “اللاجئ الفلسطيني”.
لماذا كل هذه الوحشية اليوم بالذات؟
هناك عدة عوامل:
1. صعود اليمين الإسرائيلي المتطرف
2. رغبة إسرائيل في فرض حل نهائي بالقوة
3. التهيئة لما بعد غزة
4. الضغط لتهجير صامت داخل الضفة
5. محاولة إعادة رسم الجغرافيا والبنية الديمغرافية
باختصار: إسرائيل تريد إنهاء مرحلة كاملة من الوجود الفلسطيني لا تغيير شكلها فقط.
المخيم… آخر ما تبقى من فلسطين قبل 48
تدمير المخيم يعني ضرب آخر “ذاكرة مادية” متبقية من فلسطين قبل الاحتلال. المخيم ليس جغرافيا فقط، بل:
• شهادة على النكبة
• خريطة انتظار
• وثيقة حق عودة
• رمز للهوية المشتركة
إسرائيل تريد دولة فلسطينية بلا لاجئين
وقضية بلا ذاكرة
ولقاءً تفاوضيًا بلا حقوق تاريخية
نعم، إسرائيل تريد محو كلمة “لاجئين” من التاريخ الفلسطيني، لأنها تفهم أكثر من أي طرف آخر أن الذاكرة أخطر من البندقية، وأن المخيمات ليست بيوتًا من الزينكو بل جدارًا سياسيًا يحمي الوعي الفلسطيني من الاندثار.
ما تقوم به إسرائيل اليوم ليس عملية أمنية، بل حرب على المعنى والهوية والذاكرة
كيف نحمي المخيم وهنا دورنا كسلطه وطنيه فلسطينيه وان تنتقل المسؤولية من وصف الجريمة إلى مواجهة الخطر.
على السلطة الفلسطينية أن تتحرك وفق استراتيجية حماية وطنية تتجاوز البيانات والإدانة، وتقوم على:
1. تعزيز الوجود الأمني الفلسطيني داخل المخيمات لمنع الفراغ الذي تستغله إسرائيل.
2. تأهيل البنى التحتية فورًا بما يقطع الطريق على سياسة “الترك للخراب”.
3. إطلاق صندوق طوارئ للمخيمات لترميم بيوتها وشوارعها فور الاقتحامات.
4. تدويل ملف المخيمات باعتبارها مناطق لاجئين محمية ومرتبطة بحق العودة وفق القانون الدولي.
5. فتح شراكات عربية وإسلامية لدعم صمود الأهالي ماليًا وإعلاميًا وإنسانيًا.
المخيم ليس ساحة أمنية بل قضية سياسية كبرى، وبالتالي حماية المخيم هي حماية للرمز الوطني لا مجرد ضبط للواقع الميداني ان
إسرائيل تشن حربًا على الذاكرة قبل أن تشن حربًا على الناس، وتسعى لقتل “اللاجئ” قبل قتل الفلسطيني نفسه. ومقابل هذه الحرب، تصبح مهمة السلطة ليست فقط المواجهة الأمنية، بل إعادة بناء المخيم كأيقونة سياسية للهوية الفلسطينية.
إن لم تُحمَ المخيمات اليوم، لن يبقى غدًا اسم “لاجئ”، ولن يبقى شاهد يقول للعالم من سرق فلسطين، وكيف سرقها







