باحث إسرائيلي: نتنياهو يتعرض لـ دهس ملكي على يد ترامب

السياسي – يفرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيطرته على المشهد السياسي في إسرائيل بعد حرب غزة، ما يجعل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحت ضغط متزايد وسط انتقادات داخلية وخيارات محدودة.

هذا ما يؤكد عليه الباحث الإسرائيلي شلومو ليبنر، وهو زميل أول غير مقيم في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط وخدم سبعة رؤساء وزراء إسرائيليين خلال ثلاثة عقود، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية.

ويقول ليبنر إن اندفاع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نحو إبرام اتفاق دائم في غزة يمكن أن يوجه ضربة قاضية للحكومة الإسرائيلية.

وتجري حالياً نسخة قوية من مشهد “تبديل الحرس”، الذي يشاهده الملايين سنوياً في قصر باكنغهام وقلعة وندسور، على أراضي الإمبراطورية البريطانية السابقة. فالشرق الأوسط، حيث تناقش الترتيبات الخاصة بمرحلة ما بعد حرب غزة وسط نشاط محموم، يعيش حالة من الاضطراب، مع سعي الأطراف الرئيسية إلى بسط نفوذها على مستقبل المنطقة. أحد هؤلاء هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يتعرض للدهس، أو بالأحرى لـ”دهس ترامبي”، بشكل ملكي في خضم هذه العملية. وقد تكون الأضرار التي لحقت به غير قابلة للإصلاح.

ويضيف ليبنر أنه مع اقتراب القتال في قطاع غزة من نهايته، الأمر الذي يثير استياء بعض حلفاء نتنياهو الذين يرغبون في استمرار المعركة، ظهرت فراغات في القيادة على جانبي الحدود. ولم تسفر المبادرات السابقة لصياغة خطط لمرحلة ما بعد الصراع في غزة عن نتائج، وذلك بسبب، من بين عوامل أخرى، رفض إسرائيل السماح للسلطة الفلسطينية بأي دور في تلك المرحلة. وقد استغلت حركة “حماس”، التي تعهد نتنياهو في البداية بـ”القضاء عليها”، هذه الثغرة لفرض سيطرة عنيفة على المناطق التي انسحبت منها قوات الدفاع الإسرائيلية (الجيش الإسرائيلي). وأي آمال في إقامة حكم بديل في غزة ستواجه احتمال مقاومة مسلحة من مقاتلي “حماس”.

ويضيف ليبنر أن ثمة فراغاً مشابهاً يسود داخل إسرائيل نفسها، حيث تكاد المستويات العليا من فريق نتنياهو المهني تفرغ بالكامل. فقد قدم رون ديرمر، أقرب مستشاريه وأكثرهم ثقة وناصحه لدى إدارة ترامب، استقالته من منصب وزير الشؤون الإستراتيجية. وجاءت استقالته بعد إقالة تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، في 21 أكتوبر/تشرين الأول، على خلفية خلافات في السياسات. أما تساحي برافيرمان، رئيس ديوان نتنياهو الشخصي، فسيغادر قريباً إلى لندن لتولي منصب سفير إسرائيل المقبل لدى محكمة سانت جيمس. هذا التغيير الكبير في الصفوف العليا سيحدث حتماً فجوة تشغيلية في وقت حرج بالنسبة لإسرائيل، مع رحيل ذوي الخبرة.

وفي حين تتسع هذه الفجوة، يملؤها بنشاط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تدخل ليبسط سيطرته على جميع الأطراف وسط احتمال انهيار الهدنة التي ترعاها الولايات المتحدة. وقال مهدداً في 29 أكتوبر/تشرين الأول: “إذا لم تُحسن حماس التصرف، فسيتم القضاء عليها”. لكن المستفيد الفعلي هو إسرائيل، إذ جعل اعتماد نتنياهو على السخاء الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي إياه رهيناً لمطالب ترامب. وقال الرئيس في مقابلة مع برنامج 60 دقيقة في 31 أكتوبر/تشرين الأول: “لقد ضغطتُ على (نتنياهو)، لم تعجبني بعض تصرفاته، وقد رأيتم ما فعلت حياله”.

وخلال الأسابيع الأخيرة، شهدت إسرائيل زيارات متتالية من ترامب، ونائبه جيه دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كاين، والمبعوثين الرئاسيين للسلام جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، وذلك لضمان امتثال نتنياهو لبرنامج البيت الأبيض الهادف لإنهاء المواجهة. إلى جانب افتتاح مركز التنسيق المدني-العسكري في إسرائيل، حيث يعمل مئات من العناصر الأمريكية على “دعم جهود الاستقرار” و”مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار”، رسخ ترامب مكانته بوصفه الحكم النهائي في كل ما يتعلق بغزة.

واليوم يجد نتنياهو، الذي كان يوماً يتباهى بقدرته على إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة، قائلاً بثقة: “اتركوا أمريكا لي”، نفسه هدفاً لانتقادات لا تتوقف داخل إسرائيل، متهماً بالتنازل عن سيادة بلاده لترامب. لقد تلاشت هذه الثقة الزائدة التي كانت تميزه عندما كان يتبارز مع إدارة الرئيس السابق جو بايدن، محاولاً باستمرار التفوق عليها بالمناورة. غير أن تلك الأساليب ترتد عليه الآن في مواجهة ما أصبح أشبه بـ”رئاسة إمبراطورية”. وقال له ترامب ناصحاً في 4 أكتوبر/تشرين الأول: “ليس أمامك خيار، معي عليك أن تكون منسجماً تماماً”.

ويقول ليبنر إن رئيس الوزراء اليوم في موقف لا يُحسد عليه. فالحماسة داخل حكومته تجاه ترامب، التي بلغت ذروتها عندما طرح الرئيس فكرته بالسيطرة على غزة وتحويلها إلى “الريفيرا الفرنسية”، قد انهارت. إذ إن التزام ترامب بالحفاظ على الهدنة دفعه إلى التقليل من شأن خروقات “حماس” وتقييد حرية تحرك إسرائيل. وقد تدخل المسؤولون الأمريكيون لإلغاء خطط إسرائيلية للرد، كانت تشمل منع المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاق انتشار الجيش الإسرائيلي في غزة. وأصيب العديد من شركاء نتنياهو بإحباط شديد عندما صرح ترامب لمجلة تايم بشكل قاطع بأن ضم الضفة الغربية “لن يحدث”، وأنه “إذا فعلت إسرائيل ذلك فستخسر كل دعمها من الولايات المتحدة”.

ويواجه نتنياهو تحديات إستراتيجية في التفاوض مع ترامب بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. فالقضايا المتعلقة بطبيعة الحكم المستقبلي في غزة، ومدى نزع سلاح “حماس”، وحدود إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي، ستؤثر جميعها في مستوى هشاشة إسرائيل أمام تكرار مذبحة 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومن المرجح أن يثير نهج رئيس الوزراء في هذه الملفات، حيث سيسعى إلى أكبر قدر من حرية المناورة، صداماً مع جدول أعمال الرئيس الذي يميل إلى تقديم تنازلات أوسع لتحقيق تقدم أسرع.

وسينعكس أيضاً على الأمن الإسرائيلي شكل القوة الدولية المقترحة لتحقيق الاستقرار. فميل ترامب إلى حكام تركيا وقطر، وانخراطهما العميق في مشروع غزة، يثير قلقاً واسعاً في إسرائيل، حيث يعترض صناع القرار على منح دولتين وفّرتا ملاذاً لقيادات “حماس” هذا القدر من النفوذ. أما التراجع في دور السعودية والإمارات، اللتين تتخذان موقفاً أكثر تشدداً تجاه “حماس”، إلى المرتبة الثانية، فيتعارض مع تفضيلات إسرائيل. ووفقاً لمسؤول أمريكي رفيع، فإن “الإسرائيليين أصيبوا بالغثيان” عند قراءة أجزاء من مسودة قرار القوة الدولية التي شاركتها الولايات المتحدة مع عدد من أعضاء مجلس الأمن في 3 نوفمبر/تشرين الثاني.

وباتت احتجاجات نتنياهو، المحاصر أصلاً بأزمة داخلية وائتلاف حكومي متناحر، على فقدان الاستقلالية تفتقر إلى المصداقية. وربما أصبح يتطلع، ولو بشيء من التمني، إلى أن ينجح متظاهرو “لا ملوك بعد اليوم” في تقييد سلطة ترامب على التصرف بشكل منفرد.

ومع ذلك، فإن اندفاع الرئيس الحثيث نحو اتفاق دائم في غزة وتوسيع دائرة التطبيع مع العالم العربي، رغم أنه قد يجلب استقراراً أطول مدى لإسرائيل، قد يوجّه- من المفارقة- ضربة تتوج النهاية السياسية لحكومتها.