تقدير موقف: حقيقة التهديدات في حكومة الحرب ومدى ثباتها ولعبة تقاسم الأدوار

 برهوم جرايسي

برهوم جرايسي

تتحدث التقارير الإسرائيلية عن تهديدات يطلقها شريكا بنيامين نتنياهو، الأشد تطرفا من بين المتطرفين الدمويين، ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بترك الحكومة، وعمليا اسقاطها، إذا توقفت الحرب، ولم يتم اجتياح رفح، وإذا تم إطلاق سراح مئات الأسرى، من ذوي الأحكام طويلة المدى؛ وأن نتنياهو شخصيا، كان المعارض الوحيد، أمام شريكيه في الطاقم الوزاري لإدارة الحرب، جنرال الحرب بيني غانتس، ووزير الحرب يوآف غالانت.

لكن إلى أي مدى تهديدات بن غفير وسموتريتش حقيقية، وهما يعلمان يقينا، أن حل الحكومة وبالتالي الكنيست، سيفقدهما مكتسبات سياسية ما كانا يحلمان بتحقيقها في هذا الوقت القصير؟ وما الذي يبحث عنه نتنياهو، وحتى الآن لم يحققه؟

في مثل هذه الأيام، من شهر نيسان العام 2002، اختار أريئيل شارون أول صورة للإعلان عن انتصاره في اجتياح الضفة الغربية وقطاع غزة، اعتقال القائد الفلسطيني مروان البرغوثي، الذي ما زال يقبع في الأسر، والصورة الثانية، التي لم تعترف بها حكومة الاحتلال، جنازة الرئيس والقائد الفلسطيني التاريخي ياسر عرفات، في تشرين الثاني 2004، الذي استشهد مسموما بعملية إجرامية للاحتلال، بحسب ما ظهرت لها عدة مؤشرات في العامين اللذين سبقا رحيله.

عن مثل هذا يبحث بنيامين نتنياهو، فمشاهد الدمار، 72% من المباني السكنية في قطاع غزة، لا تقول له شيئا، واستشهاد ما يزيد عن 33 ألف فلسطيني، رسميا، واختفاء آثار آلاف كثيرة أخرى، يقدّر أنهم في عداد الشهداء، لا تقول شيئا، ولا تعرضه كمنتصر في الحرب، وبحسبه فإنه من دون هذا المشهد الحاسم فإنه سيكون في نظر ووعي الجمهور الإسرائيلي، خاسرا للحرب.

ولهذا بالإمكان التقدير بأن نتنياهو الدموي، ومن هم حوله ليس أقل منه، إذ أن القضية ليست شخصية، فإنه يماطل بإبرام صفقة حتى يحقق ما يريد، ومعروف عن الُحكم الإسرائيلي على مر وجوده منذ ما يقارب 8 عقود، لا يحترم الاتفاقيات التي لم تلب كافة متطلباته، ولهذا فإن نتنياهو يختار الظهور مباشرة في وسائل الإعلام، وأمام الجمهور ليدلو بدلوه، أو أنه يستعين بشركائه، ليمارسوا عليه ضغوطا علنية، والقضية ليست مجرد تقاسم أدوار، فهذين شريكين عمل نتنياهو كل ما في استطاعته لتحالفهما، وتعزيز قوتهما البرلمانية، قبل الانتخابات الأخيرة، وعقليته مطابقة كليا لعقليتهما الكهانية الشرسة.

حقيقة التهديدات
لا يمكن الاستخفاف بتهديدات بن غفير وسموتريتش، لكن في حال وافقت إسرائيل على صفقة فيها ما لا يرضيهما، وهما لن يرضيا بأي شيء، سوى استمرار حرب الإبادة، وتهجير كامل أهالي قطاع غزة، ولا يهتمان باستعادة الرهائن الأسرى الإسرائيليين، وقد جاهرا بهذا الموقف من قبل. لكن إذا وقفت حكومة الحرب أمام حالة اللا مفر، فهل حقا سيختار الاثنان الانسحاب من الحكومة؟

قبل أي جواب، يجب التأكيد على أنه كل شيء وارد، إذ أن نهج العصابات يقوم على أساس المفاجآت، حتى تلك التي تعود بخسائر مؤقتة عليها، وهذان الاثنان هما العنوان السياسي لأخطر عصابات الإرهاب الاستيطانية المنتشرة في الضفة الغربية وغيرها، ولهذا كل شيء متوقع منهما.

لكن يعرف الاثنان، وكما ذكر، أنه في أي انتخابات مقبلة، رغم أن نتائج استطلاعات الرأي قد يكون مبالغ بها، وفي يوم الانتخابات تلعب الكثير من العوامل، إلا أنه من الواضح أن النتيجة لن تكون مثالية لهما، ولكتلتي الحريديم، “شاس” و”يهدوت هتوراة”، كما كانت في آخر انتخابات قادت لتشكيل حكومتهم.

فاستطلاعات الرأي تتنبأ لبن غفير بتعزيز تمثيل عصابته بمقعدين وحتى 4 مقاعد إضافية، بينما عصابة سموتريتش فإنها ما تزال تحت نسبة الحسم، وأن القوة المجتمعة للعصابتين ستخسر 4 مقاعد من أصل 14 مقعدا اليوم، تضاف لها خسائر الليكود الكبيرة، استطلاعيا، بمعنى خسارة الحكم.

لكن هذه الزيادة لبن غفير لا تساوي شيئا إذا لم يكن في الحكومة المقبلة، لأنه سيخسر كل ما حققه، ويحققه، وهو يحقق الكثير وما زال أمامه أكثر، وذات الحال لسموتريتش.

وعدا هذا، فإن العصابتين قد تواجهان في الانتخابات المقبلة قائمة جديدة تنافس على أصوات التيار الديني الصهيوني الاستيطاني، بقيادة نفتالي بينيت، أو واحد من أمثاله، ممن يجيدون اللعب بصورة أخرى، لكن لا اختلاف في الجوهر.

زد على هذا، أن الاثنين محكومين لقرارات حاخامات المستوطنين، الذين ما زال يطاردهم هاجس العامين 1991- 1992 حينما أسقطوا حكومة الليكود، بسبب مفاوضات مدريد، وجاءت حكومة أخرى، بزعامة العمل، وبعدها اتفاقيات أوسلو، وغيرها. فرغم أن إسرائيل 2024 ليست إسرائيل العام 1992، إلا أن كل متغير ولو طفيف في نهج الحكومة الحالية، من خلال حكومة بديلة، سيهدد خسائرهم الحالية، والأهم بالنسبة لهم، ما يطمحون له مستقبلا.

في السطر الأخير، فإن أمام بن غفير وسموتريتش واحد من خيارين: إما قرار الانتحار السياسي، أو الاستمرار في الحكومة الحالية تحت أي ظرف، ينشأ بإبرام اتفاقية لن تحترمها إسرائيل بعد أسابيع قليلة.

وكما ذكرت، أكرر، فإن في نهج العصابات، خاصة الإرهابية، كل شيء متوقع.

شاهد أيضاً