تلتئم القمة العربية في دورتها ال33 يوم الخميس القادم 16 مايو في المنامة وسط نيران حرب الإبادة الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني في الضفة بما فيها القدس وتحديدا في قطاع غزة، وتكون الحرب طوت شهرها السابع منذ 7 أكتوبر 2023، والتي أودت الى الان بحياة ما يزيد عن 35 الف شهيد، وما يقرب من ال80 الف جريح، وما يفوق ال10 الاف مفقود، ولا اريد ان اتحدث عن الدمار الهائل الذي أصاب الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمؤسسات وأماكن العبادة وإخراج المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، وحرب التجويع والامراض والاوبئة والحرمان من المساعدات الانسانية، واغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح من الجانب الفلسطيني مما فاقم من اتساع حرب التجويع في محافظات القطاع جميعها في الشمال والجنوب والوسط.
ولا اضيف جديدا، عند التأكيد ان المشهد العربي عموما ليس بخير، حيث يواجه الشعب السوداني الشقيق حربا أهلية منذ أكثر من عام مضى، كما ان الصراعات التي تحركها قوى إقليمية ودولية مازالت محتدمة في أوساط القوى الليبية المتصارعة على كعكة السلطة، وسوريا واليمن تعيشا أيضا ظروفا غاية في التعقيد بفعل القوى الإقليمية والدولية التي تستهدف تعميق عملية التمزيق والتفتيت لوحدة الدول والشعوب العربية. فضلا عن تراجع مكانة الامن القومي العربي السياسي والاقتصادي والأمني، والذي يزداد تدهورا مع زيادة النفوذ الإسرائيلي عبر بوابة التطبيع المجانية مع الدول الشقيقة. وبالتالي هناك ملفات عربية ثقيلة تعكس حالة تراجيدية في الواقع العربي الرسمي تضاعف من عمق الازمات البنيوية على الصعد المختلفة، في ظل وضع عالمي لا يقل بؤسا وتعقيدا نتاج الصراع المحتدم بين الأقطاب الدولية على إعادة تشكيل النظام العالمي متعدد الأقطاب.
ولحصر النقاش في الملف الفلسطيني، وقضية العرب المركزية وتداعيات حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني، على أهمية وموضوعية الملفات العربية الأخرى، بيد ان مركزية الملف الفلسطيني فيما لو أتيح للقمة العربية معالجته، فإني اعتقد ان جزءً أساسيا من الإشكاليات العربية قد تجد حلا لها. لان الملفات العربية متداخلة تداخلا ديالكتيكيا، وتتأثر ببعضها البعض، وبقدر ما يتم فك عقد الملف الفلسطيني، بقدر ما يمكن ان تتفكك العديد من حلقات الصراعات البينية العربية.
مما لا شك فيه، حاولت المجموعة العربية السداسية اشتقاق رؤية لمعالجة تداعيات الحرب. لكنها لم تتمكن من تحقيق خطوة واحدة للأمام. لان الدول العربية لم تقرن تحركها السياسي والديبلوماسي الإيجابي بأوراق القوة المتوفرة بأيديهم، وجعل إسرائيل وسادتها في البيت الأبيض عدم اعارة الحراك العربي الأهمية المطلوبة. ولا أضيف جديدا للمواطن العربي عموما والنخب السياسية خصوصا بالتذكير بأسلحة النفط والغاز وعائداتها المالية والاتفاقات السياسية والديبلوماسية والأمنية والاقتصادية مع كلا الدولتين، وكذا القواعد العسكرية الأميركية الموجودة بالمنطقة.
لذا مازالت إسرائيل ومن خلفها الإدارة الأميركية وحلفائها في الغرب الرأسمالي تصم آذانها، ولا تستمع لنداءات تلك الدول بضرورة وقف دائم وفوري لحرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة تحديدا، وفي أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة كافة بما فيها القدس العاصمة الأبدية، ليس هذا فحسب، بل اخترقت الدولة العبرية الاتفاقات الموقعة مع تلك الدول. كما ان الولايات المتحدة الأميركية تستبيح المنابر الأممية المختلفة وخاصة مجلس الامن الدولي ضد مشاريع القرارات العربية والدول الصديقة الداعية لوقف الحرب الكارثية، التي تجاوزت في فظاعاتها واهوالها ما شهدته الحروب العالمية والإقليمية من ويلات، وتمنح إسرائيل اللقيطة والنازية الضوء الأخضر لمواصلة الحرب وقتل الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء وغيرها من جرائم حرب الإبادة الجماعية، وحتى عطلت باستخدامها حق النقض / الفيتو رفع مكانة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وأيضا مارست ضغوطها على العديد من الدول لعدم التصويت لاحقية دولة فلسطين بالحصول على العضوية الكاملة في الجمعية العامة يوم الجمعة الماضي، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للسلام والامن الإقليمي والدولي.
كما ان الدول العربية باستثناء الجزائر التي اوفت بالتزاماتها المالية، لم توفر شبكة أمان مالية لموازنة الدولة الفلسطينية، رغم وجود عشرات القرارات العربية بهذا الشأن. وعليه اراهن على ان يحظى الملف الفلسطيني وقضيته المركزية ما يستحق من الاهتمام العربي الرسمي على الصعد المختلفة، ليأخذ الاشقاء العرب دورهم المؤمل في اسناد حقيقي للملف الفلسطيني بمختلف جوانبه السياسية والديبلوماسية والاقتصادية المالية ووقف دائم وفوري لحرب الإبادة الجماعية، وتأمين المساعدات الإنسانية بكل مشتقاتها، وتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ووقف التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني من وطنهم الام فلسطين، والذهاب للحل السياسي المنشود. فهل يكونون على مستوى المسؤولية؟ أمل ذلك.