السياسي – يأتي هذا الموضوع في إطار البحث عن فلسفةٍ خاصة بالممارسات الجماعيّة المدمّرة المنطلقة من الأفكار اللامنطقية واللاطبيعية التي يمكن أن نسميها (غبية)، وقد تحمل عبارة (الغباء الجمعي) للوهلة الأولى دلالات ومعانٍ غير موضوعية بل وعنصرية أحياناً إذا قصدنا إهانة جماعة بشرية بسبب أخطاء فردية، أو من انطلاقات أيدلوجية، أو هروباً من تحليل أحداث معقدة وإحالتها إلى الغباء كمفهوم ساذج، قد يشير أحياناً إلى التعالي والاحتقار على جماعة بشرية ارتكب (بعض أفرادها) حماقات منافية للحكمة، وهذا ما جعلني أتريث كثيراً في إضافة كلمة الأمم إلى كلمة الغباء. إلا أن مرور أكثر من عامٍ على أحداث طوفان الأقصى، أوضح تورطاً جمعياً دلّ بكثافة ويقين على غباء مجموعة بشرية كاملة تتصرف بعنهجية ووحشية، توضّحت في هذا العام أكثر من أي وقتٍ مضى طوال فترة الاحتلال منذ ما يقرب الثمانية عقود.
-تلمودية الغباء
وقع الصّهاينة في فخٍ أيدلوجي استعماري قد يودي بهم في النهاية إلى نقمة عالمية ولعنة تلاحقهم من جيلٍ إلى جيل، وهنا أدلل بأدلة واقعية وعلمية وليس بمجرد دوافع وجودية، وأحاول هنا أن أتمالك في هذه القراءة من ألا أتجنى، فالصهاينة قد تخلوا عن كونهم كائنات إنسانية بتأجير عقولهم إلى منظومات متكاملة للشر المطلق، مورطين الديانة اليهودية، ومستغلين نصوصها الإلغائية لتحقيق أطماع استعمارية فرزتها الرأسمالية الكونيالية، وتؤكد ذلك هذه المقتلة الكبرى للشعب الفلسطيني، كما تدمغه استطلاعات الرأي حول نية الإبادة الجماعية لدى منتسبي ومؤيدي ومناصري الصهيونية من يهودٍ ومسيحيين أصوليين وعربٍ متصهينين، مؤكدين على تصريحات قادتهم وكتابهم ومفكريهم، بل وبسطائهم في استدعاء النصوص الدينية الظلامية الداعية لفعل الإبادة، ويمكن للقارئ الكريم الرجوع إلى هذه التصريحات والمؤشرات المختلفة المنتشرة حتى في المصادر الغربية ذاتها، لكنّا هنا نود أن نحلل هذه الظاهرة اللاإنسانية لنحذر من تبعياتها.
-تبني نظرية التّعميم
إنّ تبني مجتمعات كاملة لفكرة إحلالية مدمّرة، يجعلنا قريبين من تبني نظرية التعميم اتهاماً لهذه المجتمعات مُبرّئين أنفسنا من القراءة العنصرية لوصفها بالغباء، لوجود توافق تاريخي كلي غير مسبوق بينها على القيام بأفعال لا عقلانية، وإن قال البعض إن نظرية التعميم غير عادلة، فليساعدني الآخر الذي أتهم في أن يقف موقفاً تاريخياً ويلعن هذه الإبادة الموجعة التي أثرت على الوجدان العالمي، وهنا أتساءل أين هم الرجال الرشيدون في هذه المجموعات البشرية الداعمة للصهيونية من مفكرين وعلماء وقادة مجتمعيين، وهم أصلاً يعيشون في مجتمعات منظمة في مجموعات بشرية ومؤسسات متماسكة، وهذا سر من أسرار قوتهم، لذلك فإن تلك المؤسسات العالمية إن لم تحرض مباشرة على الإيتان بفعل الإبادة الجماعية؛ فهي راضية بسكوتها، مما ورط بالفعل فئاتٍ بعينها، كالمؤسسات اليهودية العالمية مثلاً؛ في عدم إعلانها لموقف رافض مما يحدثه الصهاينة من إبادة جماعية، وهنا أصرُّ على إعلانٍ (يهودي بالذات) رافض للإبادة، وإلا ستلحقهم جميعاً لعنة تاريخية من شعوب الأرض، كونهم استُخدِموا أوعية مغذية للفكر الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، كيف لا وهم من أكثر المجتمعات تنظيماً لما يمتلكون من مجالس ومنظمات. أما الصهاينة العرب الذين تحركهم مصالح سيسيوسياسية؛ فسيبتلعهم حراكٍ جماهيري واعٍ أثناء حركة التاريخ.
-أيدلوجيا الغباء
من السّذاجة في حالتنا هذه أن نفترض أن الغباء ساذج، لأنه يحمل جرعة جيدة من الشر، وقد ارتبط بالقوة أن غباء القوة يستلزم قطع الروابط التي تربط العقل بالحياة، وهو السمة السائدة في العولمة النيوليبرالية التي نعيشها. فأفعال الإبادة البشرية ليست وحدها نتاجاً لهذا الغباء، بل هناك أفعال أنتجتها العقليات المتعالية الرأسمالية الغربية زادت من بؤس البشر وعملت على تدمير الطبيعة ضمن خطاب المنظومة الأخلاقية للسوق الحر، وهذا الخطاب لا يحمل سماتٍ اقتصادية أو سياسية وحسب، بل له بعد أيدلوجي تمثل الهيمنة العسكرية المدمرة أحد أهم صفاتها، وما إنتاج الحركة الصهيونية وربطها بتطلعات استعمارية وبمنطلقات تلمودية إلا أحد معالم هذا النظام النيوليبرالي الاستيطاني الدولي في هذا العصر، فيما يمكننا تسميته الغباء الأكثر قوة وثراء.
-ثنائية الغباء والوجود
إن الغباء البشري المعاصر قد تجاوز الفردية، فوصفُ شخص ما بأنه غبي هو إشارة إلى افتقاره إلى “القدرة الفكرية”، وليس بسبب عدم المحاولة؛ فالأغبياء قد لا يمتلكون هذه القدرة أو أنهم رفضوا تطويرها. وهكذا فإن هذا دليلٌ قطعي على أنّ الغباء الفردي مرتبط بالجهل.