السياسي – بين حين وآخر تخرج مزيد من التسريبات عن حجم الخلافات المتزايدة بين قائد جيش الاحتلال آيال زامير، والمستوى السياسي برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، صحيح أن قرار احتلال غزة ليس حدثًا جديدًا، لكن المختلف هذه المرة أنه يتم في ظل ولاية زامير، مما ألقى بظلاله السلبية على العلاقات السائدة بين المستويين، ولم تكن موجودة من قبل.
وأكد عوفار شيلح، الرئيس الأسبق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، والرئيس الحالي لبرنامج الأمن في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن “اجتماع مجلس الوزراء الخميس الفائت، الذي تقرر فيه احتلال غزة كان حدثًا دراماتيكيًا، لكنه ليس غير مسبوق، فقد عُقدت بالفعل اجتماعات دخلت فيها المستويات السياسية والعسكرية باختلافات عميقة في الرأي؛ وسبقتها إحاطات بأنه في حال اتخاذ قرار لا يعجب أيًا من المشاركين، يُمكنه الاستقالة، لكن ما يختلف هذه المرة، أنه تم في ظل رئيس أركان ووزير حرب جديدين”.
وأضاف في مقال نشرته القناة 12،أنه “لم يسبق أن وُجد مستوى سياسي غير مسؤول لهذا الحد، ولم يسبق أن وُجد رئيس وزراء تتعارض مصلحته العليا، وهي استمرار الحرب للأبد، تعارضًا جذريًا مع مصلحة الدولة التي يرأسها، لم يسبق أن وُجد هذا الكم من الوزراء الذين يجمعون بين الجهل المحض والخطاب الفارغ، والنظرة المسيحانية، أما زامير، فيبدو أنه تولى منصبه وهو غير مصدق أن هذا هو الحال”.
وأوضح أنه “في الأوقات العادية يكون هدف رئيس الوزراء ووزير الحرب ورئيس الأركان هو مغادرة غرفة الاجتماعات بأقصى قدر ممكن من الحرية، وتجلى هذا الأمر مرارًا في مجلس الوزراء، الذي خوّل رئيس الوزراء ووزير الحرب اتخاذ قرارات لاحقة بشأن توقيت وطريقة التنفيذ لاحتلال غزة، أحيانًا، كان القرار مبهمًا، مما منحهما الحرية المنشودة، وأعفى أعضاء المجلس فعليًا من مسؤولياتهم، أما الغرفة التي دخلها زامير، فهي مختلفة تمامًا، فلن تكون أكثر من مجرد تجمع سياسي متواضع، يحضره أشخاص يفتقرون للمعرفة، ولا يتظاهرون حتى بأنهم جاؤوا لسماع الحجج، ومناقشتها بجدية”.
وأوضح أن “رئيس الوزراء يُظهِر استخفافه العلني بمعرفة وزرائه، ومستواهم، ويستسلم بشكل غير مسبوق لتهديدهم بإنهاء ولايته، ويتواجد وزير الحرب يسرائيل كاتس بشكل رئيسي على تويتر، حيث ينشغل بنشر رسائل حول تعليمات بلا معنى أصدرها، وهجمات على النظام الذي يرأسه، ولذلك فإن الأمر على المحك بالغ الأهمية، ومن السهل الانشغال بقصة الرهائن المؤلمة”.
وأكد أن “احتلال غزة له تداعيات بعيدة المدى على الدولة وعلى الجيش، ومصطلح احتلال غزة مكتوب بين علامتي اقتباس لأنه، في حقيقته، لا يحمل أي معنى يُترجم إلى عمل عسكري، بمعناه الكامل، أي السيطرة الكاملة على المنطقة، والمسؤولية عن مصير مليوني فلسطيني يعانون من اليأس والجوع، وإقامة حكومة عسكرية، سيُحوّل إسرائيل نهائيا إلى مُنهكة، ويُعرّض اقتصادها للخطر، ويضع جيشها المُنهك، النظامي والاحتياطي، في مواقف تُهدد أخلاقه وانضباطه وتماسكه، وقدرته على العمل”.
وأضاف ان “زامير تخلى عن الأوهام التي سادت عند توليه منصبه، ويواجه الواقع أخيرًا، وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون بديهيًا، فإن رئيس الوزراء ليس القائد الأعلى للجيش، لم يُذكر إطلاقًا في القانون الأساسي للجيش، الذي سُنّ بناءً على استنتاجات لجان التحقيق، بل ينص القانون على أن الجيش ورئيس الأركان تابعان لوزير الحرب، وهما سريان رغم وجود الحكومة التي يُمثلها مجلس الوزراء، وبالتالي فإن “سيادة الحكومة” ليست ما يقوله بيتسلئيل سموتريتش في القاعة، ولا حتى ما يقوله نتنياهو فيها؛ سيادة الحكومة قرار رسمي، بالتصويت”.
وأشار أن “زامير في هذه الحالة مطالب بتغيير الوضع، لأنها الطريقة الوحيدة في عالم مقلوب، وحرمان نتنياهو من الحرية التي يريدها، بعد أن يوضح جميع الدلالات بكلمات صريحة، عليه أن يطلب من مجلس الوزراء ورئيس الوزراء ما يكرهه رؤساء الوزراء بشدة: قرار صريح، بعد تصويت ملزم قانونًا، يوضح بأدق التفاصيل ماهية “احتلال غزة”، أي إلى أي مدى تأمرني بالوصول، وما يجب على الجيش فعله عند وصوله، فإذا كان المقصود هو الحكم العسكري”.
وأشار إلى أن “هناك أمرٌ سبق أن طالب به زامير، وهو مُحقٌّ فيه، حيث سيُنصُّ القرارُ على أنَّ تهيئةَ الظروفِ لعودةِ المخطوفين، وهو الهدفُ الذي حدَّده مجلسُ الوزراء عندَ شنِّ الحرب، لم يعد هدفًا حربيًا رئيسيًا، أو لم يعد على الإطلاق، وبصفتهِ سلطةً مهنيةً، يجب أن يواصل مسيرة رؤساءُ الأركانِ السابقين لثَنْي رؤساءِ الوزراء، ونتنياهو منهم، عن اتخاذ أي قرارات اعتبروها إشكالية، لأنه في هذه المرة بالذات، وفي عالمٍ مُتقلِّبٍ رأسًا على عقب، وفي ضوءِ المخاطر، هذا هو السبيلُ الوحيدُ لزامير، ويبتعدَ عن حديث الاستقالةِ عن طاولة النقاش”.
وختم بالقول إنه “إذا أدى قرار نتنياهو الصريح، الذي يدرك تمامًا تداعياته على الدولة، إلى تردد أو قرار مُرتبك، فعلى زامير أن يفعل ما يراه صوابًا للحفاظ على الجيش المُهدّد بالانهيار في ظل حكمه، أما إذا اتُخذ قرار صريح، بالتصويت، باحتلال القطاع أو بأكمله، أو حتى مدينة غزة، وإقامة حكومة عسكرية، أو ترحيل مليون فلسطيني، ودخول المخيمات الوسطى لترحيل سكانها إلى المواصي، ثم عمليًا احتلال كامل مع كل ما يعنيه ذلك في القطاع، فسيتعين عليه أن يُواجه ضميره الشخصي والمهني”.