السياسي – كشف تقرير لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، عن الفجوة المتزايدة بين الرواية الرسمية الإسرائيلية ومجريات الحرب على غزة، من خلال شهادات من ضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي تعكس واقعًا مختلفًا عن الصورة التي تحاول القيادة السياسية الإسرائيلية تصديرها.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن كبار الضباط فأن الحرب في غزة لم تحقق أهدافها الاستراتيجية، وأن الحديث عن “نصر قريب” لا يستند إلى معطيات عملياتية.
وتشير الصحيفة إلى أن المصادر العسكرية ترى في التصريحات السياسية الإسرائيلية حول “الإنجازات” نوعًا من التضليل، إذ “لا تزال حماس تمتلك قدراتها الأساسية، بينما لم يتمكن الجيش من إحداث اختراق عملياتي حقيقي يقرب من الحسم العسكري”.
وتكشف المعطيات الصادرة عن وزارة الجيش أن العملية الأخيرة المسماة “عربات “، والتي وُصفت رسميًا بأنها مفصلية، “لم تُدرج ضمن ميزانية عام 2025، ما يعزز الانطباع بأنها مجرد امتداد قسري لحرب كان من المفترض أن تُختم بصفقة تبادل أسرى في نهاية عام 2024”.
كما تنقل الصحيفة تقديرات من وزارة المالية الإسرائيلية، تشير إلى أن “استمرار العمليات في غزة أو اندلاع جبهة مع إيران سيكلف الخزينة ما لا يقل عن 30 مليار شيكل إضافي”.
وفي أول خطاب له منذ تولّيه المنصب، اعترف رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بأن “الجيش لم يتمكن من تحقيق الهدف المركزي للحرب، وهو القضاء على حماس”، مضيفًا أن الرواية السياسية بشأن اقتراب النصر لا تتطابق مع الواقع في غزة.
ورغم الإعلان عن مشاركة خمس فرق عسكرية، تكشف تقارير ميدانية عن نشر جزئي للقوات وتجنب للتوغلات العميقة على غرار ما جرى في العملية البرية المكثفة نهاية 2023.
ويقول ضباط إن “الاعتماد على الجنود النظاميين بدلًا من جنود الاحتياط يعود جزئيًا لأسباب اجتماعية، إذ يُعد سقوط جندي شاب أقل تكلفة سياسية من فقدان رب أسرة من الاحتياط”.
وتتركز العمليات الإسرائيلية، وفق التقرير، في الأطراف كرفح والزيتون وجباليا، بينما بقيت مناطق رئيسية مثل الشجاعية والنصيرات خارج نطاق السيطرة.
وأحد الضباط يفسر ذلك، بقوله: “الجيش يتبع تكتيكًا يقوم على إنذار السكان قبل التوغل، ما يتيح للمقاتلين الانسحاب”.
ويضيف أحد قادة الفرق القتالية: “لم نحقق اختراقات ميدانية. نادرًا ما نشتبك مع مقاتلي حماس وجهًا لوجه، وغالبية المهام تقتصر على تدمير مبانٍ بمرافقة وحدات الهندسة، بينما يتولى سلاح الجو تنفيذ الضربات عند رصد أي تحرك مسلح”.
كما يشير التقرير إلى أن الرقابة المفروضة على التغطية الصحافية من غزة تعكس محاولة متعمدة لصناعة صورة “انتصار”، حيث تم تقليص حضور الصحافيين بهدف فرض رواية سياسية غير مدعومة بمعطيات ميدانية.
وفي تناقض صارخ مع تصريحات المسؤولين، يشكك التقرير في المزاعم الإسرائيلية بشأن “السيطرة على 75% من القطاع”، مؤكدًا أن “وجود الجيش فعليًا على الأرض محدود، بينما ما تزال حماس تدير جوانب خدمية وتتمتع بانتشار ميداني في مناطق واسعة”.
ويتحدث ضابط آخر عن محدودية جدوى التكتيكات الإسرائيلية: “طُلب منا تفكيك 70% من كتائب حماس، لكننا كنا نصل إلى أحياء خالية من المسلحين الذين انسحبوا قبل وصولنا”.
وفي رفح، حيث سعى الجيش إلى تطبيق نموذج مختلف، طُبّق حصار محكم وتدمير واسع شمل السيطرة على محور “موراغ” ، إلا أن القادة الميدانيين حذّروا من أن “أي انسحاب من المحور سيفسح المجال أمام عودة مئات آلاف النازحين، وهو ما يعني انهيار الخطة الميدانية برمتها”.
وتتابع الصحيفة أن حماس لم تنهار رغم كل الضربات، إذ لا تزال تمتلك “آلاف المقاتلين وشبكة أنفاق معقدة، وخصوصًا في جباليا التي وُصفت بأنها أعقد من شبكة مترو تل أبيب”، ما يعكس استمرار قدراتها القتالية واللوجستية.
وتبرز شهادات لجنود ضمن الفرقة 36 تورّط الجيش في تأمين توزيع المساعدات الإنسانية، وهي مهمة وصفوها بأنها “تستهلك مئات الجنود يوميًا، رغم أنها لا تندرج ضمن المهام العسكرية، بل ينبغي أن تُسند إلى جهات مدنية متعاونة ميدانيًا مع الجيش”.
وتورد الصحيفة شهادات صادمة حول ممارسات ميدانية، منها إطلاق النار على مدنيين جائعين تجمهروا حول شاحنات الإغاثة، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات، وهو ما وثقته وسائل الإعلام الدولية. بل وصل الأمر، حسب التقرير، إلى استخدام “قذائف مدفعية لتفريق مدنيين في حادثة انتهت بسقوط عشرات القتلى، قبل أن يتم حظر استخدام المدفعية لهذا الغرض لاحقًا”.