السياسي – كما كان متوقعاً، جاء المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، ليلة أمس، خطاباً شعبوياً ديماغوجياً، حاول فيه تسويق بضاعته ومزاعمه لتبرير مواصلة الحرب على غزة، وبشكل غير مباشر فضّ الصفقة المقترحة، وذلك ضمن معركة مفتوحة بينه وبين معارضيه على وعي الإسرائيليين.
بعد انقطاع شهرين، عاد نتنياهو لمخاطبة الإسرائيليين تحت مسمى “مؤتمر صحفي” لمنع حالة انجراف وانزياح ضد توجهاته وحساباته، على خلفية الكشف عن حدث مزلزل تمثّلَ بقتل ستة من الاسرى في غزة، وبعد اتهام شبه مباشر له من قبل الرئيس الأمريكي بايدن.
ضمن خطاب شعبوي ديماغوغي بليغ، من ناحية الخطابة والأداء اللغوي والإعلامي/ الدعائي، امتلأ بالأكاذيب وأنصاف الحقائق والأخطاء بالتواريخ، حاول نتنياهو منع انضمام المزيد من الإسرائيليين للاحتجاجات التي تفجرت بقوة، أول أمس، وربما تتصاعد، وتدوم، ما يثير مخاوفه من تبعاتها على صورته ومكانته وتماسك ائتلافه الحاكم. لهذا الغرض شدّدَ على “القيمة الإستراتيجية والسياسية”، لا الأمنية فحسب، لمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، واصفاً إياه بأنبوب الأكسجين لـ “حماس”.
في مديح فيلادلفيا
وأوغل نتنياهو في الحديث عن حيوية السيطرة على محور فيلادلفيا، محاولاً زعزعة رواية المعارضين لمزاعمه، فتحدث عنه وكأنه خط ماجينو، أو خط بارليف. وذهب معلّقون إسرائيليون للتساؤل: هل بات محور فيلادلفيا “حائط المبكى” (حائط البراق)، وهذه رسالة رسم كاريكاتير في”هآرتس”، اليوم الثلاثاء.
تهريب سلاح
يواصل نتنياهو الادعاء أن السيطرة على محور فيلادلفيا بالغة الأهمية لمنع التهريب وكي لا تعود غزة لتشكل تهديداً على إسرائيل. وبذلك يتجاهل نتنياهو أن الجيش لم يبادر لاحتلال محور فيلادلفيا ورفح رغم أن الحرب بدأت قبل شهور طويلة.
كذلك سبق أن صوّت نتنياهو أربع مرات مع فك الارتباط عن غزة، عام 2005، علاوة على أن السيطرة عليه ستكون مكلفة لجيش الاحتلال، كما كانت قبل 2005، مثلما أن عملية التهريب جرت أيضاً أسفل الأرض، بالأنفاق.
الهدف الحقيقي
ويدلل خطاب نتنياهو على غاياته ومآربه غير المعلنة، المتمثلة بتعطيل الصفقة، إطالة أمد الحرب، واحتلال القطاع، ضمن مسعاه لترميم هيبته المتشظية وصورته في التاريخ: وكأنه يقول “إن شارون تنازل عن القطاع وأنا استعدته”.
وهذا ما يشير له أيضا محرر شؤون الشرق الأوسط في “هارتس” تسفي بار إيل، الذي يتحدث اليوم في مقاله عن أن الحرب مستمرة من أجل احتلال غزة من جديد، محذراً من التورط بحرب استنزاف.
وهذا ما سبق أن أكد عليه المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، في كتاب صدر قبل شهرين (الطريق للسابع من أكتوبر)، منوهاً أن غاية نتنياهو الحقيقية: تعقيد الصراع بعدة وسائل واحتلال القطاع، وربما الاستيطان لاحقاً.
مفاعيل الخطاب
ويتساءل البعض عن مفاعيل خطاب نتنياهو، وهو خطاب قوي وخطير لأنه مبني بطريقة تضليلية شعبوية تخاطب غرائز ومخاوف الإسرائيليين، كتساؤله: الآن، وبعد القتل بدم بارد، نتنازل لـ “حماس”، والقول إن هذه حرب وجودية مع إيران، وإن “حماس” ستسدد الثمن.
على خلفية ذلك، حَمَلَ رئيس المعارضة يائير لبيد على نتنياهو، وقال إن حساباته حول فيلادلفيا غريبة، وإنه يتهرب من المسؤولية.
وتابع لبيد اتهام نتنياهو بحسابات البقاء السياسي في تصريحات إعلامية: “ما يقلق نتنياهو ليس محور فيلادلفيا، بل محور سموتريتش وبن غفير”.
غانتس: خطاب كذب
وتبعه الوزير المستقيل بيني غانتس بتأكيده على أن خطاب نتنياهو كاذب.
وكذلك زميله الوزير المستقيل غادي آيزنكوت، الذي قال إن نتنياهو بدا وكأنه في مهرجان قصص شعبية طرح فيه فيلادلفيا كأنه كل الصورة، وواجهة كل شيء، وهذا تشويه للواقع.
وتابع آيزنكوت، في حديث للإذاعة العبرية العامة: “بحال بقينا في فيلادلفيا وغزة المسؤولية الكبرى ستكون علينا، وهذا عبء ثقيل لا نحتمله، ويورطنا في حرب استنزاف مكلفة وطويلة، بدلاً من رؤية الصورة الواسعة يحصر نفسه في فيلادلفيا”.
وهذا ما أكده اليوم أيضاً للإذاعة ذاتها ميخائيل ميليشتاين، مدير مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، مستبعداً إمكانية استسلام “حماس”، محذراً من أن حرب الاستنزاف ربما تطول 20 سنة.
المقالات المعارضة
ووجّه مراقبون كثر آخرون انتقادات متطابقة لنتنياهو، بعد الخطاب الشعبوي، وتقاسموا تفنيد مزاعمه، والكشف عن عيوبه وأكاذيبه.
فيقول محلل الشؤون السياسية في صحيفة “هآرتس” يوسي فرطر إن إطلالة نتنياهو، ليلة أمس، مرعبة وتكسر القلب.
وتابع: “بشكل بليغ وتحليلي، شرح نتنياهو للعائلات، وربما للاسرى أنفسهم، بألا يتأملوا بتنازله في “فيلادلفيا”.
وتبعه زميله المحلل العسكري عاموس هارئيل: “رغم تصريحات نتنياهو، لم نكن بعيدين خطوة عن تحرير الاسرى الستة أحياء مثلما لسنا على بعد خطوة من الانتصار المطلق. الطريق لاستعادتهم كانت من خلال صفقة، وهذه لا يريدها نتنياهو”.
في مقاله المذكور، قال تسفي بار إيل إن الصفقة هي القادرة على إنقاذ إسرائيل من غرق في مستنقع غزة، لكن الاسرى هم عقبة أمام عودة احتلال غزة، وسيتم التضحية بهم على مذبح محور فيلادلفيا، الذي بات رمزاً أمنياً لأمن مطلق.
في صحيفة معاريف، توقف المحلل السياسي بن كاسبيت عند أخطاء نتنياهو أيضاً، كقوله التاسع من أكتوبر، بدلاً من السابع من أكتوبر، أو تاريخ تصريح بايدن وكشفه عن صيغته: قال نتنياهو 31 أيار، بدلاً من 27 أيار. في مقاله، اتهم بن كاسبيت نتنياهو بالكذب والتضليل. وهذا ما يؤكده مجدداً الجنرال في الاحتياط المعروف بنبي الغضب يتسحاق بريك بتحذيره القاطع: ليست “حماس” التي تنهار، بل إسرائيل، بحال استمرت الحرب/ النزيف.
وحول جدوى الاحتجاجات المتصاعدة منذ يومين، ترى “هآرتس”، في افتتاحيتها، أن التوجه للحكومة ينبغي أن يكون فقط بلغتها، بالقوة. مشددة على أن موجة الاحتجاجات التي تفجرت أمس الأول، بعد مقتل ستة اسرى، هي الاحتمال الوحيد لإنقاذ البقية المتبقية من مصير مشابه.
في المقابل؛ يحذر المحلل السياسي بن درور يميني، في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، من أن تطرّف الاحتجاجات يمسّ بنضال العائلات، ويبعد إسرائيليين عنها لا سيما أنهم منقسمون وخائفون من المجهول، وأولادهم يقاتلون في الحرب الآن، وليس سهلاً خروجهم للتظاهر.
يشار إلى أن واشنطن أعلنت، قبيل خطاب نتنياهو، عن نيّتها طرح مقترح جديد كتسوية أخيرة. من جهتها، قالت شبكة “سي أن أن” الأمريكية إن نتنياهو قتلها في عزّها، معتبرة أن استخدامه كلمة “انسَ”، وهو يتوجّه للسنوار، هي رسالة للسنوار ولبايدن أيضاً.