أكاذيب وتحريفات من المتوقع أن يطلقها نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس

د. ألون بن مئير

يلقي بنيامين نتنياهو اليوم 24 يوليو خطاباً أمام جلسة مشتركة للكونغرس مستعداً فيها تماماً لبث سلسلة من الأكاذيب والتحريف في ما يتعلق بحقيقة ما عجّل بهجوم حماس، ولماذا يعارض بشدة إنشاء دولة فلسطينية، ولماذا إيران وحلفاؤها في المنطقة، “محور المقاومة”، يشكلون خطرا وجوديا على إسرائيل.

وحيث أن نتنياهو معروف بارتباطه القوي بالحزب الجمهوري، ويأتي إلى الكونغرس وسط الانتخابات الرئاسية، فهو سيتحدث إلى أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين لا يرغبون في شيء أكثر من إظهار دعم أكبر لإسرائيل من الديمقراطيين. وبالطبع، نترك الحديث لنتنياهو ليغوص إلى أيّ عمق، فقط ليرى دونالد ترامب يُعاد انتخابه ضد أي ديمقراطي، معتقدًا أن ترامب سيعطيه الحرية ليفعل ما يريد للفلسطينيين.

هجوم حماس
ولأسباب واضحة، سيبدأ نتنياهو بوصف الهجوم الذي شنته حماس حيث تم ذبح 1200 إسرائيلي واختطاف 250 آخرين. وسيوضح أن نطاق الهجوم المروّع ونتائجه المأساوية يبرران إعلان إسرائيل الحرب ضد حماس وإمطار سكان غزة بالموت والدمار بشكل غير مسبوق، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 39000 فلسطيني (أكثر من نصفهم من النساء والأطفال) وتحويل الجزء الأكبر من غزة إلى حالة دمار. وسيؤكد كذلك أن الحملة ضد حماس يجب أن تستمر حتى يتم تدمير الجماعة الإرهابية بالكامل ومنعها من إعادة تشكيل نفسها لحكم غزة مرة أخرى.

صحيح أن إسرائيل لديها كل الحق في الدفاع عن نفسها؛ ومع ذلك، لن يشرح نتنياهو من الذي مكّن حماس من القيام بمثل هذا الهجوم الجريء. الجواب هو نتنياهو ولا أحد غيره.

نتنياهو يعلم جيداً أن إسرائيل هي التي قد شكلت حماس على ما هي عليه اليوم، وذلك قبل أكثر من عقد من الزمن قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في عام 1996. قال الجنرال يتسحاق سيغيف، الذي كان الحاكم العسكري الإسرائيلي في غزة في أوائل الثمانينات، لمراسل صحيفة نيويورك تايمز إنه ساعد في تمويل حماس باعتبارها “ثقلاً موازناً” للعلمانيين واليساريين في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح “فالحكومة الإسرائيلية أعطتني ميزانية وإدارة الحكم العسكري تعطي للجوامع”. واستمرّ نتنياهو باتباع هذه السياسة منذ يوم وصوله إلى السلطة في عام 2008.

نتنياهو لن يخبر الكونغرس أنه تحت حكمه طوال 17 عامًا متواصلة تقريبًا كرئيس للوزراء قامت حماس ببناء أكثر من 350 ميلًا من الأنفاق؛ وتحت قيادته قامت حماس بشراء وتصنيع 20 ألف صاروخ؛ وتحت قيادته قامت حماس بتجنيد وتدريب وتسليح ما يتراوح بين 35000 إلى 40000 مقاتل، ولن يعترف بأن حماس كانت تحت قيادته تقوم بانتظام بتهريب الأسلحة وآلات البناء إلى غزة عبر الأنفاق تحت معبر رفح مع مصر.

والأسوأ من ذلك أن نتنياهو لن يخبر الكونغرس بأنه كان القناة التي نقلت بسعادة مليارات الدولارات من قطر إلى حماس والتي خصصت حماس 55 في المئة منها لاستعدادها العسكري. وفي مارس 2019، صرح نتنياهو بفخر أن “كل من يعارض قيام دولة فلسطينية يجب أن يدعم توصيل الأموال إلى غزة لأن الإبقاء على الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في غزة سيمنع إقامة دولة فلسطينية”. وطوال الوقت، كان نتنياهو يكذب على الجمهور، مشيراً إلى أن حماس تحت قيادته خاضعة للسيطرة ولا تشكل أيّ خطر وشيك.

لن يخبر نتنياهو الكونغرس بأن تأكيده المتكرر على أن حماس تشكل تهديدًا لأمن إسرائيل كان محسوبًا لخدمة مصلحته السياسية. ورداً على استفزازات حماس، التي رحب بها، كان سعيداً بإرسال قواته إلى غزة عدة مرات “لجز العشب” لإبقاء حماس في مأزق وتعزيز سمعته التي سعى إليها بشدة باعتباره “السيد الأمن”. وبطبيعة الحال، فهو لن يعترف أمام الكونغرس بمسؤوليته عن هجوم حماس الذي وقع تحت قيادته، محملاً الجميع دونه المسؤولية عن فشله الذريع.

معارضة شديدة لقيام دولة فلسطينية

لا شك أن نتنياهو سوف يكذب على الكونغرس ويهاجم إنشاء دولة فلسطينية على أساس أن مثل هذه الدولة سوف تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، في حين أن العكس تماماً هو الحقيقة. فمنذ اليوم الذي وصل فيه إلى السلطة في عام 1996، كان حازماً ولم يخف رغبته في إفشال اتفاقيات أوسلو عام 1993 التي أرست الأساس لحل الدولتين. وفي ديسمبر 2023، قال في مؤتمر صحفي “لن أسمح لدولة إسرائيل بالعودة إلى خطأ أوسلو المشؤوم”.

سيكذب نتنياهو عندما يقول للكونغرس إن معارضته لإنشاء دولة فلسطينية تستند إلى أسباب تتعلق بالأمن القومي، كما قال في يناير 2024 “إنّ إصراري هو ما منع – على مر السنين – إنشاء دولة فلسطينية كان من شأنها أن تكون وتشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. وطالما أنني رئيس للوزراء، سأواصل الإصرار بقوة على ذلك”. والحقيقة هي أن معارضته لقيام دولة فلسطينية متجذرة في قناعته التوراتية بأن كل الأراضي من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن مملوكة لليهود، وهو ما أكده مجددًا في عام 1997 قائلاً “هذه أرض أجدادنا، ونحن نطالب بها بنفس الدرجة التي يطالب بها الطرف الآخر”.

وبما أن الاحتلال وتوسيع المستوطنات يشكلان عنصرين أساسيين في تحقيق مطالبته المسيانية بالأرض، فسوف يكذب في وجه الكونغرس عندما يحاول تبرير احتلال الضفة الغربية باعتباره أمراً لا غنى عنه لأمن إسرائيل القومي. ولإضفاء المصداقية على حجته الكاذبة، فإنه سيشير إلى أعمال العنف المتكررة التي يرتكبها الفلسطينيون والتي يثيرها عمدا. ومنذ عودته إلى السلطة في عام 2008، لم يدخر أيّ جهد لجعل حياة الفلسطينيين لا تطاق. لقد قام بقمع الفلسطينيين بشكل منهجي، وإخضاعهم للإخلاء القسري، والاعتقال الإداري، والمداهمات الليلية، وهدم منازلهم، ومصادرة أراضيهم.

وفي الوقت نفسه، يُقتل عدة مئات من الفلسطينيين كل عام؛ ومنذ أكتوبر الماضي، قُتل 550 فلسطينيا في الضفة الغربية. وفي الوقت نفسه، سمح للمستوطنين بمضايقة الفلسطينيين وترهيبهم، وتسميم آبارهم، واقتلاع أشجارهم، ومنعهم من الرعي في أراضيهم، مما أجبر الكثيرين على مغادرة قراهم في حالة من اليأس.

وأخيراً، سوف يكذب مرة أخرى على الكونغرس عندما يزعم كذباً أن إسرائيل هي الديمقراطية الحقيقية الوحيدة في المنطقة، في حين أن إسرائيل فقدت في الحقيقة ديمقراطيتها منذ فترة طويلة مع بداية الاحتلال. ففي حين يُمنح المواطنون الإسرائيليون حقوقهم المدنية والقضائية الكاملة وكافة مظاهر الديمقراطية الأخرى، فإن الفلسطينيين يخضعون لقوانين عسكرية قاسية وغير إنسانية في الكثير من الأحيان، الأمر الذي يشكل سخرية لشكل الديمقراطية الحقيقية.

إيران

ولنترك لنتنياهو أن يلوّح بعلم البرنامج النووي الإيراني ويكذب مرة أخرى بشأن التهديد الوجودي الذي يفرضه هذا البرنامج على إسرائيل. لا شك أن إيران تشكل تهديداً لإسرائيل، لكنه بعيد كل البعد عن كونه وجوديا، سواء كانت إيران تمتلك أسلحة نووية أو لا تمتلكها. صحيح أن إيران تدعم مالياً وعسكرياً “محور المقاومة” التابع لها، وخاصة حماس وحزب الله والحوثيين، في حين تعمل بسرعة على تطوير برنامجها للأسلحة النووية. ولم تؤدي سياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين وإيران إلا إلى تعميق عداء طهران ومعارضتها لإسرائيل. إن حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، الذي سعى نتنياهو باستمرار إلى منعه، كان ليسحب البساط من تحت أرجل الملالي، لكن هذا لم يكن ليخدم مصلحة نتنياهو.

لقد عارض الاتفاق الإيراني، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. ففي مارس 2015 ألقى نتنياهو خطاباً مثيراً للجدل إلى حد كبير في الكونغرس الأميركي ضد الاتفاقية، وهو ما رتبه رئيس مجلس النواب الجمهوري بوهنر دون التشاور المسبق مع إدارة أوباما؛ وأدى ذلك إلى توترات سياسية كبيرة وقاطعه ما يقرب من 60 مشرعًا ديمقراطيًا. لقد تصرف نتنياهو بحماقة كبيرة وفي تحدٍ لرئيس ديمقراطي، وهو ما يذكرنا بما هو على وشك القيام به مرة أخرى. ولو لم يقنع ترامب لاحقاً بالانسحاب من الاتفاق، لما كانت إيران قد وصلت إلى العتبة النووية، وهو الأمر الذي – من باب السخرية – كان نتنياهو يخشاه بشدة، ولكنه هو الذي جعل ذلك ممكناً.

يجب على كل عضو في الكونغرس يكون حاضرا خلال خطاب نتنياهو أن يتذكر أن الهتاف لنتنياهو هو الهتاف لإطالة أمد حرب غزة ومنع قيام دولة فلسطينية والمزيد من الحروب والعنف والدمار وعدم الاستقرار الإقليمي، مما يجعل إسرائيل أقل أمانًا وربما يجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية.

إن أكوام أكاذيب نتنياهو ستجلب العار للكونغرس، وعلى وجه الخصوص لأولئك الجمهوريين الذين دعوه فقط لتسجيل نقطة سياسية أو اثنتين ودفع ثمنها بدماء الإسرائيليين والفلسطينيين.