السياسي – بعد مضي “اتفاقات أبراهام” للتطبيع بين دول خليجية وعربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي قدما، برعاية أمريكية، وبينما كانت واشنطن تستعد للاحتفال بانضمام السعودية لتلك الاتفاقات وتدخل الهند كطرف اقتصادي فيها، جاءت الحرب في غزة لتطيح بالورقة من على الطاولة، وربما تدفع تداعياتها المستمرة مصر والأردن، أول دولتين أبرمتا اتفاقا مع إسرائيل، لمراجعة تلك الاتفاقيات أيضا.
ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه الصحفي والمؤرخ الهندي فيجاي براشاد في موقع “أوراسيا ريفيو”، قائلات إن غزة جعلت الإدارة الأمريكية تشعر الآن بقلق عميق من انهيار أجندتها برمتها في الشرق الأوسط.
تسارع عجلة التطبيع
وحتى أشهر قليلة مضت، كان كبار المسؤولين في الولايات المتحدة يتباهون بمناوراتهم السياسية لحمل الدول العربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتخفيف نفوذ الصين في المنطقة.
ويضيف الكاتب: لقد انهارت كل هذه المخططات على أنقاض حملة القصف الإسرائيلية العدوانية ضد الفلسطينيين في غزة، والآن، يبدو أن جميع الهياكل التي أنشأتها الولايات المتحدة ــ بدءاً باتفاقات أبراهام ــ فقدت صلابتها.
ويتابع: بينما كانت القضية الفلسطينية قد بدأت تنجرف بعيداً عن رادار الدول العربية، فإن هذه القضية عادت مجددا الآن إلى المركز بسبب ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول وتداعياته.
لم يكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مهتمًا أبدًا بالقانون الدولي أو تعقيدات الدبلوماسية، يقول الكاتب.
وفيما يتعلق بإسرائيل، كان ترامب واضحًا في رغبته في تسوية الصراع مع الفلسطينيين – الذين بدوا أضعفتهم السياسة الإسرائيلية المتمثلة في الاستيطان وعزل غزة – لصالح تل أبيب.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أصدر ترامب خطته المسماة “السلام من أجل الازدهار”، والتي تجاهلت فعليًا ادعاءات الفلسطينيين وعززت دولة الفصل العنصري الإسرائيلية.
نقل ترامب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وهي خطوة مركزية لماواجهة طموحات الفلسطينيين باسترداد سيادتهم على المدينة.
اتفاقيات أبراهام
وبعد بضعة أشهر، أعلن ترامب عن اتفاقيات إبراهيم، التي كانت عبارة عن مجموعة من الصفقات الثنائية بين إسرائيل وأربع دول (البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة).
وعدت هذه الاتفاقيات بمواصلة عملية التطبيع بين الدول العربية، وهي العملية التي بدأت مع مصر عام 1978 ثم الأردن عام 1994.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، دفعت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن هذا الزخم إلى الأمام من خلال إنشاء مجموعة عمل منتدى النقب التي وقد جمعت هذه الدول (البحرين ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة) مع إسرائيل في منصة “لبناء الجسور” في المنطقة.
وفي الواقع، كان هذا المنتدى جزءًا من المشروع الشامل لقيادة عملية قيام الدول العربية بإقامة علاقة عامة مع إسرائيل.
وما استعصى على إسرائيل والولايات المتحدة هو المملكة العربية السعودية، وهي دولة ذات نفوذ كبير في المنطقة.
وكانت التقديرات في واشنطن وتل أبيب تشير إلى أنه إذا انضم السعوديون إلى هذه العملية، وإذا انضم القطريون، فإن القضية الفلسطينية سوف تتضاءل بشكل كبير.
الهند أيضا
وفي يوليو/تموز 2022، ذهب بايدن إلى القدس ليجلس بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد لاستضافة اجتماع افتراضي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
وفي هذا الاجتماع، أعلن الرجال الأربعة عن إنشاء “i2u2″، أو منصة للمشاريع التجارية التي سيتم تطويرها بشكل مشترك من قبل الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة.
وقد أدخل هذا البرنامج الهند مباشرة في خطط تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
وفي العام التالي، على هامش اجتماع مجموعة العشرين في دلهي، أعلن العديد من رؤساء الحكومات عن إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC).
اقتراب تطبيع السعودية
وكان لهذا الممر نية معلنة تتمثل في الاعتراض على مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين، فضلاً عن كونه أداة لإدخال المملكة العربية السعودية في حملة التطبيع مع إسرائيل.
وبما أن السعودية وإسرائيل ستكونان جزءًا من هذا الممر، فإن ذلك يعني اعتراف المملكة بحكم الأمر الواقع بإسرائيل.
وبدأ المسؤولون الدبلوماسيون الإسرائيليون بالسفر إلى السعودية، مما يشير إلى أن التطبيع كان واردًا، لا سيما بعد أن قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقناة “فوكس نيوز” في سبتمبر/أيلول 2023 إن التطبيع “بات أقرب”.
ويقول الكاتب: لقد أوقفت الحرب في غزة العملية برمتها، وباتت السعودية تطالب بإصرار بوقف إطلاق النار، ورغم أن ولي العهد السعودي أشار لإمكانية استئناف جهود التطبيع بعد الحرب، إلا أن الأصوات غاب عنها الحماسة والجدية.
جبهات جديدة
وبعد انفتاح جبهات جديدى للقتال، في جنوبي لبنان من قبل “حزب الله” والبحر الأحمر ومضيق باب المندب من قبل الحوثيين في اليمن، باتت الأمور أصعب،
لقد بعثت تصرفات “حزب الله” والحوثيين برسالة إلى العواصم العربية مفادها أن بعض القوى السياسية على الأقل مستعدة لتقديم تضامن مادي مع الفلسطينيين. وهذا سوف يلهم السكان العرب لممارسة المزيد من الضغط على حكوماتهم،
ويضيف، مختتما تحليله: يبدو أن التطبيع مع إسرائيل أصبح خارج الطاولة، وإذا تصاعدت هذه الضغوط فإن دولاً مثل مصر والأردن قد تضطر إلى إعادة النظر في معاهدات السلام المبرمة بينهما.