في بداية عام 2017، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن تقرير مثير حمل في طياته تفاصيل عن عملية استخباراتية نفذتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عبر حسابات مزيفة مليئة بصور فتيات جميلات على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن سيطرت على كاميرات الهواتف الذكية لضباط وجنود في الجيش الإسرائيلي. وفي ديسمبر الماضي، كشفت وثائق نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية” عن استعانة حماس بجواسيس داخل إسرائيل خلال هجومها على غلاف غزة في عملية “طوفان الأقصى”. ومن بين هذه الوثائق، خريطة شاملة لقاعدة عسكرية إسرائيلية.
تلك التقارير تُسلط الضوء على المنافسة الاستخباراتية بين إسرائيل وحماس، وتثير تساؤلات حول فعالية قدرات الاستخبارات الإسرائيلية وتراجعها أمام تطور في القدرات الاستخباراتية لدى المقاومة الفلسطينية حماس، بعد حصولها على معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي الإسرائيلي.
لسنا هنا لنقارن بين القدرات التجسسية لدى إسرائيل وحماس، بل للفت الانتباه إلى غياب أية تأثيرات أو نتائج واضحة نجحت حماس في تحقيقها من خلال المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها، وخصوصاً في إطار مواجهات طوفان الأقصى. بل الأمور تظهر بشكل متناقض تماماً، إذ تستمر إسرائيل في اغتيال قادة بارزين في حماس، سواء داخل قطاع غزة أو خارجه، من دون أن تظهر أي قدرة لحماس على الرد أو حتى حماية قادتها.
هذا النوع من التقارير التي ينشرها بعض الإعلام الإسرائيلي والغربي، ليست عبثية أو خالية من المنطق. والتفسير الملائم لهذا السياق المتناقض أن تضخيم قدرات حماس العسكرية يعمل على تقويض دور حكومة رئيس الوزراء نتنياهو، سواء أمام الرأي العام الدولي أو داخل إسرائيل، عن طريق فتح الأبواب أمام المعارضة الإسرائيلية للاستحواذ على الساحة السياسية من خلال إثارة التحفظات والاحتجاجات ضد الحكومة الإسرائيلية.
ويمكن القول أن الفلسفة التي يتبعها الإعلام الإسرائيلي تعتبر المغذي الرئيسي لمنطق محور المقاومة، الذي يضم حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والحوثيين، حيث يسعون جميعاً إلى توسيع نطاق تأثيرهم الشعبي على الساحة المحلية والعربية، على غرار ما يقوم به المعارضون الإسرائيليون.
وهذا ما يفسر حرص حماس على تسليط الضوء على جهود المعارضة الإسرائيلية، وبخاصة اليسارية، في محاولة لإسقاط حكومة نتنياهو اليمينية، والتي يُصوّرها كنجاح للمقاومة الإسلامية. بمعنى آخر، أن إشباع الطموحات التحررية في البلدان العربية تمخض من رحم أهداف المعارضة الإسرائيلية اليسارية، والتي تعد جزءاً من الأمن القومي الإسرائيلي.
من الأدبيات التي قامت عليها جماعة الإخوان المسلمين أن النصر حليفهم في جميع الأحوال بأمر إلهي. لذلك يبررون هزائم المقاومة الإسلامية المتكررة بعد كل حرب، وخاصة الاغتيالات الإسرائيلية لقادتهم، بمصطلح الخذلان العربي لهم وخيانة الجواسيس أو المتصهينين العرب من حولهم.
لذلك، يمكن وصف استراتيجية حماس في مجال التجسس العسكري بأنها فشل استراتيجي. وبشكل أوضح، حماس لا تمتلك حتى الأساسيات في هذا المجال، حيث تقتصر جهودها على محاولات التنصت على الجيش الإسرائيلي، الذي بدوره يقوم بتوجيه تحركات حماس من خلال تسريب بعض المعلومات العامة. وفي كثير من الأحيان، تكون هذه المحاولات غير فعّالة ولا تفيد إلا بعض الأحزاب الإسرائيلية.
وعليه تصعب مقارنة التفوق الإسرائيلي في المجال الاستخباراتي، الذي يعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي، بالاستراتيجيات البدائية التي تتبناها حماس مثل متابعة الأفراد بين الأزقة أو تصويرهم بمشاهد مخلة، من دون أن يكون لها تأثير فعّال يخدم الشعب الفلسطيني من قريب أو حتى من بعيد.