السياسي – يلقي تعثر المفاوضات حول تبادل أسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة بظلاله على تطورات الجبهة الإسرائيلية- اللبنانية، مع تصاعد دعوات في إسرائيل لشن هجوم واسع على لبنان.
ومنذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها “حزب الله”، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر “الخط الأزرق” الفاصل؛ خلّف مئات بين قتيل وجريح معظمهم بالجانب اللبناني.
وتطالب هذه الفصائل بإنهاء حرب مدمرة تشنها إسرائيل بدعم أمريكي على غزة منذ 7 أكتوبر؛ ما أسفر عن قرابة 136 ألف قتيل وجريح فلسطينيي، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود.
وفي 10 يوليو/ تموز الماضي، قال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله إن “حماس تفاوض عن نفسها وبالنيابة عن كل الفصائل الفلسطينية، وما تقبل به حماس نقبل به جميعا”.
وأضاف أنه “إذا أرادت إسرائيل أن يتوقف إطلاق النار (عبر الحدود اللبنانية- الإسرائيلية)، يجب أولا أن يتوقف العدوان على غزة”.
وآنذاك، سادت آمال بقرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على غزة، ولكن هذه الآمال تبددت في الأيام الأخيرة؛ جراء تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشروط جديدة ترفضها حركة حماس.
ويصر نتنياهو باستمرار احتلال ممر نتساريم، الذي يقسّم قطاع غزة إلى شمال وجنوب، ومعبر رفح ومحور فيلادلفيا على الحدود مع مصر، بينما تتمسك حماس بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي.
ويقول مفاوضون إسرائيليون وعائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة إن مطلب نتنياهو إبقاء الجيش في محور فيلادلفيا يقوض فرص التوصل إلى اتفاق.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، الثلاثاء، عن أقارب أسرى قولهم إن وزير الدفاع يوآف غالانت قال لهم: “الصفقة لم تتحرك، رغم وجود اتفاق على 90% منها، إلا أن الوسطاء فشلوا في الوصول إلى حل بشأن 10%، فلا يوجد تقدم والأمور جامدة”.
وبوساطة مصر وقطر، ودعم الولايات المتحدة، تجري إسرائيل وحماس منذ أشهر مفاوضات غير مباشرة متعثرة، في وقت تتواصل فيه الحرب على غزة للشهر الحادي عشر.
هذا الاستعصاء في ملف غزة يترك الباب مفتوحا أمام 3 سيناريوهات محتملة لتعامل إسرائيل مع الملف اللبناني.
والسيناريو الأول هو المبادرة إلى عمل عسكري ضد لبنان، والثاني إبقاء الوضع على ما هو عليه منذ 8 أكتوبر لحين التوصل إلى حل في غزة، وأخيرا التوصل بوساطة أمريكية إلى حل سياسي مع لبنان دون وقف الحرب على غزة.
ولا تزال طبول الحرب على لبنان تتصاعد بقوة في إسرائيل، وسط دعوات لتمكين عشرات آلاف النازحين الإسرائيليين من العودة إلى منازلهم في شمالي البلاد.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، إثر تقييم مع أعضاء منتدى هيئة الأركان العامة مساء الاثنين، إن “الجيش يستعد بقوة على الساحة الشمالية”.
وأضاف هاليفي، في بيان، أن “الجيش على أهبة الاستعداد ولديه خطط عملياتية جاهزة ومستعد لأداء كل مهمة سيكلف بها”.
حرب واسعة
وفي حديث لهيئة البث الثلاثاء، طرح الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب عميدرور احتمال “ألا يكون أمام إسرائيل سوى خيار الذهاب لمواجهة مباشرة”.
ورجح أن يحدث هذا “إذا لم يستجب حزب الله للمطالب الأمريكية، وأهمها عودة قواته إلى ما وراء نهر الليطاني (جنوبي لبنان)، وإذا استمر في نهجه الحالي الذي يمنع عودة سكان الشمال (الإسرائيلي) إلى منازلهم”.
وأردف أن “الطرفين (إسرائيل وحزب الله) يعيان تماما أن حربا واسعة في الشمال ستكلفهما أثمانا باهظة، فالحديث يدور عن حرب صعبة جدا ومدمرة، ومناطق في العمق الإسرائيلي ستكون في مرمى قذائف وصواريخ حزب الله”.
وعما إذا كانت إسرائيل ستخوض حربا في لبنان مع استمرار حربها على غزة، قال عميدرور: “الحرب في غزة لن تكون بنفس قوة المواجهة في الشمال، إذ تم تفكيك قدرات حماس تقريبا بشكل كامل وسيقلص الجيش قواته في غزة إلى مستوى منخفض جدا”، على حد زعمه.
بدورها، ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الاثنين أن “مسؤولين في القيادة الشمالية للجيش يقولون إنهم رصدوا استعدادات حزب الله لخوض قتال طويل الأمد مع إسرائيل، في حال انهيار المفاوضات بشأن غزة”.
وتابعت: “وفق المسؤولين فإن الجماعة اللبنانية لم تحرك قواتها بعد نحو الحدود مع إسرائيل، ولكن من المتوقع أن يستمر حزب الله في مهاجمة إسرائيل من الشمال، طالما استمرت إسرائيل في عمليتها العسكرية بغزة”.
و”الأحد، وافق مسؤولون من القيادة الشمالية على خطط للقتال في لبنان تتضمن عددا من درجات التصعيد المحتملة. كما تم تقديم خطط، تُجرى مراجعتها يوميا، إلى رئيس الأركان ومسؤولين حكوميين”، حسب الصحيفة.
لكن الصحيفة أفادت بأن “الحكومة لا توافق على العمليات العسكرية في الشمال، ويرجع ذلك جزئيا إلى القلق من أن مثل هذه الخطوة قد يتم تفسيرها على أنها إعلان حرب”.
وزادت بأن “حقيقة أن الحكومة لم تعلن حتى الآن الحدود الشمالية منطقة قتال رئيسية تؤثر أيضا على استعدادات الجيش للتصعيد المحتمل وتعوق قدرته على نقل موارده الرئيسية إلى هناك”.
استمرار الوضع الراهن
مع تلك الحقائق، ربما وفق السيناريو الثاني المحتمل يبقى الوضع على ما هو عليه منذ 8 أكتوبر إلى حين التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في غزة.
وقالت “هآرتس”: “بعد مرور نحو من عام منذ إجلاء سكان شمال إسرائيل، فإن عودتهم إلى ديارهم لا تبدو قريبة”.
وتابعت: “ولم يحدد مجلس الوزراء الأمني (الكابينت) رسميا عودة سكان الشمال كأحد أهداف الحرب، ولا يظهر احتمال القتال مع حزب الله إلا ضمنيا في الأهداف الرسمية التي حددها المجلس”.
وأضافت أنه “في غياب الموافقة على شن هجوم في الشمال، تحاول قوات الجيش الإضرار بقدرات حزب الله إلى أقصى حد ممكن لتحقيق ميزة في حالة التصعيد”.
و”يعتقد المسؤولون العسكريون أن حزب الله يواجه صعوبة في تثبيت سلسلة القيادة العليا لديه وملء صفوفه المتوسطة بالقدر الكافي”، وفق الصحيفة.
واستطردت أنه “منذ بداية الحرب، ضرب (اغتال) الجيش الإسرائيلي القادة الرئيسيين للجماعة، من فؤاد شكر (في 30 يوليو/ تموز الماضي) إلى قادة الفرق والألوية الذين كانوا محور المعركة”.
حل دبلوماسي
لكن الاستعصاء في ملف غزة ربما يقود إلى السيناريو الثالث، وهو التوصل إلى حل دبلوماسي بين إسرائيل ولبنان، بوساطة أمريكية، وإن كان هذا الجهد فشل سابقا جراء استمرار الحرب على غزة.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء، إن “الإدارة الأمريكية بدأت بلورة خطة بديلة لحل دبلوماسي في الجبهة الشمالية، في ظل الطريق المسدود الذي آلت إليه المفاوضات مع حماس”.
واستدركت: “لكن مسؤولين إسرائيليين قالوا لنظرائهم الأمريكيين إن إسرائيل لا يمكنها انتظار المزيد قبل أن تبدأ عملية عسكرية (في الشمال)، وليس واضحا كم من الوقت يمكن الانتظار لحل دبلوماسي”.
وعبر مبعوثها عاموس هوكشتاين، حاولت الإدارة الأمريكية خلال الأشهر الماضية التوصل إلى حل دبلوماسي بين إسرائيل و”حزب الله” لوقف إطلاق النار، ولكنه فشل بانتظار وقف الحرب على غزة.
وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل تل أبيب الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
كما تتحدى تل أبيب طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.