في مواجهة الوضع الإنساني الكارثي في غزة حيث تحذر الأمم المتحدة من أن المجاعة أصبحت “شبه حتمية”، بدأت دول مانحة مثل الأردن ومصر والإمارات تقديم المساعدات جوا عبر إلقائها بمظلات. وشرعت الولايات المتحدة في الانضمام للعملية مستفيدة من تجاربها السابقة في إلقاء المساعدات من الجو في دول أخرى.
وبعد خمسة أشهر من الحرب، انخفضت كمية المساعدات الإنسانية التي تصل بالشاحنات بشكل كبير فيما يواجه سكان القطاع المحاصر نقصا خطيرا في الغذاء والماء والدواء. وبدأت طائرات عسكرية أجنبية إلقاء مساعدات إنسانية للسكان. وحتى الآن، نظمت طائرات أردنية بدعم من دول مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا، معظم عمليات الإسقاط. وحذت حذوها الخميس طائرات مصرية وإماراتية.
وقال عماد دغمش وهو من سكان حي الصبرة في وسط قطاع غزة إنه تمكن من الحصول على مياه للشرب وبعض المواد الغذائية بفضل تلك العمليات لكن لم يكن هناك ما يكفي لجميع من كانوا ينتظرون المساعدات. وأوضح “حصلت على علب وأكياس فيها معكرونة ومياه من مساعدات المظلات، شاهدنا المظلات في السماء وتابعتها وذهبت أنا وثلاثة من أولاد عمي (…) في النهاية أخذت أكياس معكرونة وجبن لكن أولاد عمي لم يتمكنوا من الحصول على شيء”.
ووصلت المساعدات الإنسانية إلى حدها الأدنى منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر بعد الهجوم غير المسبوق الذي نفّذته حركة حماس على جنوب إسرائيل والذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 1160 شخصا، معظمهم من المدنيين. وردّت إسرائيل متوعدة بـ”القضاء” على حماس. وباشرت حملة قصف على قطاع غزة أتبعتها بعمليات بريّة، ما أسفر عن سقوط 30228 قتيلا معظمهم مدنيون، بحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لحكومة حماس.
وفي شمال قطاع غزة حيث بدأ الهجوم الإسرائيلي، اضطر العديد من السكان لتناول العلف. وأكّدت وزارة الصحة التابعة لحماس الجمعة أن عشرات الأطفال توفوا بسبب “سوء التغذية والجفاف”. وبالإضافة إلى الأخطار المرتبطة بإسقاط حزم ثقيلة في مناطق مكتظة، أكد سكان من غزة أن العديد من تلك الطرود انتهى بها الأمر في البحر.
وقال هادي غبون (30 عاما) وهو من سكان مخيم الشاطئ ويقيم مع زوجته وأطفاله الخمسة في مدرسة إيواء بحي الرمال “معظم المساعدات سقطت في البحر اليوم، وأيضا المظلات التي سقطت الخميس والأربعاء كلها سقطت في البحر إلا عدد قليل جدا قرب شاطئ غزة”. وأضاف أن هناك حاجة إلى “مساعدات بمئات الأطنان لمواجهة المجاعة وإطعام الناس”.
واعتبر الناطق باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لايركه أن عمليات إنزال المساعدات الجوي تطرح “العديد من المشكلات”. وأوضح أن “إرسال المساعدات بهذه الطريقة يجب أن يكون الملاذ الأخير” مضيفا “النقل البري هو ببساطة أفضل وأكثر فعالية وأقل كلفة”. لكنه حذّر من أن مجاعة في القطاع المحاصر “أصبحت شبه حتمية، ما لم يتغير شيء”.
وتتّهم الأمم المتحدة الجيش الإسرائيلي بمنع وصول المساعدات إلى غزة “بشكل منهجي”، وهو ما تنفيه إسرائيل. وتقول منظمات إنسانية من بينها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إن أفضل طريقة لتوصيل المساعدات هي أن تفتح إسرائيل المعابر الحدودية وتسمح لقوافل الشاحنات بالدخول وإتمام عمليات التوصيل بشكل آمن.
من جهته، قال ناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحافيين إن قرابة ألف شاحنة تنتظر على الحدود المصرية. وأضاف ستيفان دوجاريك “عمليات إنزال المساعدات جوا تشكّل تحدّيا. لكن كل الخيارات تبقى مطروحة”. وقد تكون هذه العمليات مكلفة جدا أيضا.
وصرّح جيريمي كونينديك، رئيس منظمة “ريفيوجيز إنترناشونال” لشبكة “بي بي سي” الجمعة أن طائرة يمكنها إسقاط ما يعادل حمولة شاحنتين، لكن بكلفة أكثر بعشرة أضعاف. وأضاف “بدلا من إسقاط المواد الغذائية من الجو، يجب ممارسة ضغوط قوية على الحكومة الإسرائيلية للسماح بتسليم المساعدات عبر قنوات تقليدية تسمح بتسليم المساعدات على نطاق أوسع”.
قال مسؤولون أميركيون إن الجيش الأميركي نفذ السبت أول عملية إسقاط مساعدات إنسانية جوا على غزة بينما حذرت وكالات إغاثة من كارثة إنسانية متنامية في القطاع الفلسطيني مع استمرار إسرائيل في هجومها العسكري. وأسقطت ثلاث طائرات من طراز سي-130 أكثر من 35 ألف وجبة في منطقة تقول الأمم المتحدة إن ربع سكانها على بعد خطوة واحدة من المجاعة، ونشر الفلسطينيون مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر صناديق المساعدات خلال إسقاطها.
وقال البيت الأبيض إن عمليات الإنزال الجوي ستستمر مضيفا أن إسرائيل تدعم العملية. ويقوم الجنود على الأرض بتحميل الإمدادات على أرفف، والتي يتم بعد ذلك تحميلها على الطائرات ثم تثبيتها في مكانها. وبمجرد أن تصبح الطائرة فوق المنطقة التي تحتاج إلى الإمدادات، يتم فك القفل الذي يثبت الأرفف في مكانها ثم يجري إنزالها إلى الأرض بمساعدة مظلة مثبتة على منصة الأرفف.
في حين يمكن للجيش أن يراقب أنماط الطقس مسبقا، وتلعب الرياح دورا كبيرا في ضمان هبوط منصات الأرفف في المكان الذي ينبغي أن تهبط فيه. وأظهرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي بعض المساعدات التي تقدمها دول أخرى وينتهي بها الأمر في البحر. وغزة مكتظة بالسكان ويقول المسؤولون إنه سيكون من الصعب ضمان وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليها وألا ينتهي بها الأمر في مكان لا يمكن الوصول إليه. وقال جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض “من الصعب للغاية القيام بعملية إسقاط جوي في بيئة مزدحمة مثل غزة”.
ويقول المسؤولون أيضا إنه دون وجود عسكري أميركي على الأرض، ليس هناك ضمان بأن المساعدات لن تصل في النهاية إلى أيدي حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). فماهي بعض الأمثلة على عمليات الإنزال الجوي الأميركية السابقة؟ وفي كل عام خلال عيد الميلاد، تقوم الولايات المتحدة بإسقاط مساعدات إنسانية إلى الجزر النائية في المحيط الهادي في جهد يُعرف باسم “عملية إسقاط عيد الميلاد”.
وفي عام 2014، أسقط الجيش الأميركي مساعدات جوية في شمال العراق، عندما حاصر مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية المدنيين. وفي تلك الأشهر القليلة، تم إسقاط أكثر من 100 ألف وجبة و96 ألف زجاجة مياه جوا. وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين الجمعة أن الولايات المتحدة تدرس أيضا إمكانية فتح ممر بحري لتوصيل كميات كبيرة من المساعدات إلى غزة.
وقال مسؤول أميركي إن أحد الخيارات المحتملة هو شحن المساعدات بحرا من قبرص على بعد نحو 210 أميال بحرية قبالة ساحل غزة على البحر المتوسط. وأضاف المسؤول أنه لم يتم اتخاذ قرار بشأن المشاركة العسكرية في مثل هذه العملية، مضيفا أن الإسرائيليين “متقبلون للغاية” لخيار الجسر البحري لأنه سيتفادى التأخير الناجم عن قيام المحتجين بإغلاق المعابر البرية أمام قوافل المساعدات. لكن الواقع هو أن الخيار البحري باستخدام الجيش يمثل تحديا كبيرا، مع عدم وجود موقع واضح يمكن من خلاله تفريغ المساعدات من السفن.