السياسي – استثمارات تتقلص ورؤوس أموال تنسحب وعجز مالي يتفاقم… مؤشرات باتت لا تفارق الاقتصاد الإسرائيلي مع استمرار الحرب على قطاع غزة وتصاعد المخاوف في أوساط المستثمرين من اتساع نطاق الصراع في المنطقة، ما يضع حكومة الاحتلال في مأزق شديد لإيقاف نزيف الخسائر، لا سيما في قطاع التكنولوجيا الحيوي، الذي تراجعت الاستثمارات فيه إلى أدنى مستوياتها في سبع سنوات، بعدما تحولت “إسرائيل” إلى كيان منبوذ من جانب مؤسسات استثمارية وادخارية دولية عدة، رغم ضغوط اللوبيات المالية الداعمة له.
وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية في تقرير لها، أمس الاثنين، إلى أن الملياردير اليهودي جوزيف إيدلمان، عضو مجلس أمناء جامعة براون الأميركية ومدير الاستثمار فيها استقال، قبل تصويت مجلس الأمناء في أكتوبر المقبل على سحب استثمارات الجامعة من “إسرائيل”.
وجرى التوافق على التصويت على انسحاب الجامعة من جميع الاستثمارات في “إسرائيل” كجزء من الاتفاق بين الإدارة والطلاب، مقابل إزالة خيمة الاحتجاج الرافضة للعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة من حرم الجامعة العريقة الواقعة في ولاية رود آيلاند.
وبموجب الاتفاقية الموقعة بين الطلاب وإدارة الجامعة في إبريل الماضي، تم تشكيل لجنة مكونة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين، أوصت بالانسحاب من الاستثمارات في الجامعة.
وتقرر طرح التوصيات للتصويت في أكتوبر من قبل مجلس أمناء براون، بقيادة الرئيس التنفيذي لبنك “أوف أميركا” بريان موينيهان. في المقابل، اعتبر الملياردير إيدلمان أن التصويت المرتقب على سحب الاستثمارات من إسرائيل “استسلام للكراهية”، وفق ما نقلت الصحيفة العبرية.
وتقدر ثروة إيدلمان بـ2.5 مليار دولار، ويحتل المركز 1345 في قائمة أغنى أغنياء العالم حسب مجلة فوربس.
وتأتي ضغوطه في وقت يتعرض فيه مجلس أمناء “براون” لضغوط كبيرة أيضاً خارج أروقة صندوق الاستثمار التابع لها الذي تتجاوز قيمته ستة مليارات دولار، حيث حذر 24 مدعياً عاماً من مختلف الولايات في جميع أنحاء أميركا في أغسطس الماضي من أن الجامعة قد تواجه عقوبات اقتصادية إذا اختارت تنفيذ سحب الاستثمارات.
وأقدمت إحدى الجامعات بالفعل، مستبقة براون، على هذا الأمر قبل أيام قليلة، إذ قامت جامعة سان فرانسيسكو في كاليفورنيا نهاية أغسطس الماضي بسحب استثماراتها من ثلاث شركات لتصنيع الأسلحة ومنظوماتها هي “لوكهيد مارتن” الأميركية، و”ليوناردو” متعددة الجنسيات، و”بلانتير تكنولوجيز” ومقرها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى شركة “كاتربيلر” وهي أكبر منتج في العالم لمعدات الإنشاء والتعدين، بسبب أعمالهم مع وزارة الحرب الإسرائيلية.
وبذلك، أصبحت سان فرانسيسكو أول جامعة في الولايات المتحدة تنفذ هذه الخطوة التي تشكل سابقة جامعية لسحب الاستثمارات من الشركات الداعمة للحرب الإسرائيلية على غزة.
وبحسب الجامعة، تم تحديث المحفظة الاستثمارية للجامعة، المقدرة بـ163 مليون دولار، “لتتوافق مع معايير حقوق الإنسان الجديدة التي اقترحتها مجموعة عمل من الطلاب والموظفين الإداريين”.
وقبل ذلك أعلن المعهد اللاهوتي بجامعة كولومبيا في مايو/أيار الماضي، سحب جميع استثماراته من “إسرائيل”، تلبية لمطالب المحتجين على استمرار العدوان على غزة.
وبذلك، أصبحت المؤسسة الأكاديمية الأولى التي تقوم بهذه الخطوة بعد موجة الاحتجاج التي اجتاحت الجامعات والمطالبة بإزالة الاستثمارات في الشركات التي “تستفيد من الإبادة الجماعية في قطاع غزة”.
وليست أموال الجامعات الدولية وحدها التي تبتعد عن إسرائيل والشركات الداعمة لها، وإنما تتزايد حالات التخارج من إسرائيل من قبل شركات عالمية وكذلك محلية تحت ضغط الخسائر التي تتعرض لها والضغوط التشغيلية الكبيرة في ظل استمرار الحرب.
ووفق تقرير منفصل لـ”يديعوت أحرونوت”، يعتزم بنك “ون زيرو” (ONE ZERO) وهو أول بنك رقمي في “إسرائيل” تسريح موظفين وتجميد مشروع العمل في إيطاليا، مشيرة إلى أن البنك الرقمي الذي يسيطر عليه رجل الأعمال الإسرائيلي أمنون شاشوا سيقوم بتسريح 23 موظفاً في الجولة الحالية، أي 6.5% من القوى العاملة.
ولفتت إلى أن البنك قام بتسريح أكثر من 50 موظفاً منذ بداية العام الجاري 2024. وإلى جانب سيطرته على البنك، يرأس شاشوا شركة “موبيل آي” الإسرائيلية التي تقوم بتطوير مركبات ذاتية القيادة وأنظمة مساعدة السائق المتقدمة، وتتبع شركة إنتل الأميركية، بعدما اشرتها قبل سبع سنوات.
وجمعت “ون زيرو” التي بدأت عملها عام 2022، نحو مليار شيكل من مستثمريها وعلى رأسهم شاشوا منذ تأسيسها. وفي الأعوام 2022-2023، خسر البنك 620 مليون شيكل، بسبب تكاليف التأسيس بالإضافة إلى النفقات الجارية مثل نفقات الرواتب ونفقات التسويق. ويقدر البنك أنه بحلول نهاية عام 2025 سيصبح مربحاً.
ولا تختلف حالة الضبابية التي تسيطر على مصير البنك الرقمي عن وضع شركات التكنولوجيا عموماً في إسرائيل بينما يمثل القطاع أهمية بالغة للاقتصاد. وتشهد الاستثمارات في التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية هبوطاً قاسياً. ونشرت شركة “IVC” الإسرائيلية المتخصصة في مجال مصادر البيانات والمعلومات التجارية، التقديرات الأولى للربع الثالث من عام 2024 والتي بموجبها جمعت شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية 938 مليون دولار فقط في 61 صفقة.
وهذا هو أقل رأس مال تم جمعه منذ سبع سنوات، منذ الربع الثالث من عام 2017، وأقل عدد من المعاملات في العقد الماضي. ويمثل هذا انخفاضاً بنسبة 70% مقارنة بالربع الثاني وأكثر من 51% مقارنة بالربع الأول من عام 2024.
أما بالنسبة لعدد الصفقات، فالصورة أكثر إثارة للقلق، وفقاً لتقرير لصحيفة “كالكاليست” الإسرائيلية، حيث تم تسجيل انخفاض بنسبة 58% مقارنة بالربع الثاني من العام الجاري.
وبين يناير/كانون الثاني وأغسطس 2024، جمعت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية 5.9 مليارات دولار مقابل 6.7 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بانخفاض قدره 12%. كما انخفض عدد المعاملات خلال الفترة نفسها من 386 صفقة مقابل 666 معاملة في الفترة المقابلة من عام 2023، بانخفاض قدره 42%.
وفقًا لتقرير صادر عن كبير الاقتصاديين في وزارة الخزانة الإسرائيلية، على الرغم من أن 7.6% فقط من شركات التكنولوجيا الفائقة هي شركات متعددة الجنسيات، إلا أنها توفر نحو ربع الوظائف في الصناعة، وتدفع لموظفيها أجوراً تزيد بنسبة 35% عن شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية.
وبحسب “كالكاليست” فإنه في هذه الأيام، عندما تتعامل الفروع الإسرائيلية مع قضايا معقدة تتعلق بالحرب أمام الإدارة العالمية، فإن هذا أمر بالغ الأهمية لاختيار إسرائيل مكاناً للاستثمار.
في المقابل، أصبحت قضية هجرة الأدمغة من إسرائيل مؤكدة، بما في ذلك صناعة التكنولوجيا الفائقة، وتشرح “كالكاليست” أنه على الرغم من النفي، فإن مسؤولي وزارة المالية يدركون هذه الظاهرة.
كما أن أكثر من 20% من جنود الاحتياط الذين يشاركون في الحرب هم موظفون في التكنولوجيا المتقدمة، ما أدى إلى أزمات تشغيلية لدى الشركات التكنولوجية المحلية، فيما تعمد الشركات الأجنبية إلى تسريح العمال الإسرائيليين، وتقليص وجودها الاستثماري.