الإنزال الجوي للمساعدات – شكل آخر للموت والإذلال – شاهد

السياسي – في مشهد ينتهك كرامة الإنسان، وُصف بـ”إذلال حقيقي”، يتهافت فيه الآلاف، من كبار وصغار، رجال ونساء، بأجسادهم المنهكة خلف “مساعدات الموت” الساقطة من السماء، يركضون حيث تقودهم المظلات، بينما يعود معظمهم بـ”خُفَّي حُنين”، لا يحملون سوى الألم النفسي والجسدي نتيجة مسرحية الإذلال الجوي”.
واستقبل مستشفى السرايا الميداني التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، اليوم الجمعة، 21 إصابة، من بينها 9 إصابات نتيجة سقوط مظلات المساعدات في شارع الجلاء، بينهم ٣ أطفال، وحالة واحدة حرجة جدًا بين الحياة والموت.
ويواجه فلسطينيو القطاع موجة غير مسبوقة من الجوع منذ إغلاق الاحتلال معابر غزة، مطلع مارس/ آذار المنصرم، وفرض قيود مشددة على دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والوقود والدواء، للقطاع.
ومع مرور الوقت، استنفد سكان غزة كل موارد الطعام وأصبحت المحلات فارغة، ومسألة العثور على رغيف خبز أشبه بالمستحيل، فيما تشهد أسعار المتوفر من البضائع أسعارًا خيالية، حتى بات “الموت جوعًا” سببًا من أسباب الموت في القطاع وأشرسها.
ولقيت سياسة التجويع الممنهجة التي اتبعتها سلطات الاحتلال، موجة غضب دولي على “إسرائيل”، حيثُ حُشرت في دائرة الانقضاض عليها واللوم، محاولة أن تخرج من هذه الصورة بالسماح بعمليات الإنزال الجوي والتي تُعد وجهاً آخر للموت في القطاع.


وقوبلت فكرة إسقاط المساعدات جوا بمعارضة شديدة من أطراف فلسطينية عديدة ومنظمات حقوقية وإنسانية دولية، والتي شددت على ضرورة فتح المعابر وإدخال المساعدات برا.
-موت يتساقط من السماء
وضجَّت منصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تُظهر سقوط الصناديق على خيام النازحين، ووقوع اشتباكات بالأيدي بين السكان حول صناديق المساعدات، نتيجة شح الكميات وتزايد أعداد المحتاجين.
وأدى تدافع السكان حول الصناديق الملقاة من السماء إلى خلافات عنيفة، وأحيانًا إلى صدامات دامية، بينما ارتقى عدد من الشهداء جراء سقوط هذه الصناديق عليهم أو على خيامهم بشكل مباشر.

وبات معلومًا للمجوَّعين في غزة أن جيش الاحتلال يزود الطائرات بإحداثيات لمناطق خطيرة لإلقاء المساعدات فيها، مستدرجًا الجوعى نحو الموت.

ووُثِّقت حالات استُهدف فيها من حاول الوصول إلى المساعدات بعد إسقاطها في مناطق سيطرة الاحتلال، مثل محور نتساريم، حيث ارتُكبت مجزرة قرب قصر العدل، حين أطلقت الدبابات قذائفها على المتجمهرين.

بينما أُلقيت المساعدات في مناطق حدودية شرق القطاع، ليتم بذلك استهداف كل من اقترب منها، بالإضافة إلى إسقاط مساعدات في بلدة القرارة جنوب القطاع، المخلاة من السكان وتحت سيطرة الاحتلال.


وتشير التقديرات إلى أن ما يتم إسقاطه لا يغطي أكثر من 0.5% من احتياجات سكان غزة اليومية، ما يعني أن المجاعة مستمرة، ولكن دون الزخم الإعلامي الذي سبق السماح بهذه الإنزالات.
وعليه، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الإنزالات الجوية “مهينة” ولا تُعالج التجويع، مطالباً بفتح الممرات البرية لإدخال المساعدات بكميات كافية.
وأشار إلى أن هذه الإنزالات لا تُعد حلًا حقيقيًا، بل تمثل حلقة إضافية في مسلسل إذلال الفلسطينيين، وامتهان كرامتهم، وهندسة التجويع بشكل يخدم الأهداف السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
وحذر المرصد من خطورة هذه الطريقة، خاصة في ظل تكدس أكثر من مليوني إنسان في مساحة تقل عن 15% من مساحة قطاع غزة، وهو ما يجعل احتمالات سقوط الضحايا نتيجة الإنزالات مرتفعة جدًا.
بدورها، قالت منظمة الصحة العالمية، إن عمليات الإنزال الجوي للمساعدات في قطاع غزة “ليست حلاً”، مؤكدةً أن إدخال الشاحنات إلى القطاع هو الحل الوحيد.