الباحث سعد الله آغا القلعة يرصد التحولات الكبرى في فن فيروز والأخوين رحباني

السياسي -وكالات

بدأ الباحث والموسيقي السوري د. سعد الله آغا القلعة، ضمن كتابه الموسوعة الهام ” الأغاني الثاني” المنشور على موقعه الإلكتروني، والذي أسماها تيمناً بكتاب أبي الفرج الأصفهاني ” الأغاني”، في نشر كتابه الجديد عن “حياة وفن فيروز والأخوين رحباني”.

توثيق وتحليل

الكتاب في نسخة متعددة الوسائط، فيها المادة العلمية المكتوبة، مرفقة ببعض الصور الفوتوغرافية، وبعض الخرائط السياسية، وبعض مقاطع الفيديو المقتبسة من أفلام ومسرحيات لعبت فيروز بطولتها، وهي من تأليف وألحان الأخوين رحباني. يمتد الجزء الأول من الكتاب بين عامي 1926 – 1948، وحمل عنوان ” التحولات الكبرى تولِّد الإبداعات الكبرى”. وهو كما يقول مؤلفه د. آغا القلعة: جهد تسع سنوات اشتمل حتى الآن، على توثيق 1132 سجلاً للأعمال الغنائية للسيدة فيروز، في نظام معلومات الموسيقى العربية، وتوثيق أكثر من 720 دراسة أو مقالاً أو فصلاً من كتاب عن المدرسة الرحبانية، بشكل رقمي، ما سمح بإجراء البحث في نصوصها، وبتقاطع المعلومات فيما بينها، بهدف حسم التناقض الذي كثيراً ما برز بينها، وبالتوصل تالياً إلى نتائج جديدة.

مهاد تاريخي

يقدّم د. آغا القلعة كتابه بعرضٍ للتحولات الكبرى التي حلت بالمنطقة العربية، في بدايات القرن العشرين، بُعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ولما سببته تلك التحولات، من وجهة نظره، من توليد لإبداعات كبرى، على المستويات السياسية والفكرية والفنية والأدبية عموماً، والموسيقية خصوصاً، تلك الإبداعات التي وجدت تجلياتها في تثبيت موقع القاهرة، كمركز إشعاع موسيقي جديد على شبكة موسيقى المدن العربية، بعد تأثّر مركز حلب، بفعل عوامل سياسية واقتصادية، جعلته يتحول لمركز اختزان للتراث الموسيقي العربي، وفي نشوء مركز بيروت، في مسار موازٍ لمركز القاهرة، غير مسبوق في تاريخ مراكز موسيقى المدن العربية، إذ كانت المراكز، تتالى ولا تتوازى!

ولادتها وفق الاحتفاء

بلغت فصول الباب الأول من الكتاب، أربعة فصول، سرد في أولها الأسباب التاريخية والسياسية والدينية، التي دفعت عائلة وديع حداد، والد نهاد حداد، التي عرفناها باسم فيروز، للهجرة في عشرينات القرن العشرين، من ماردين السورية، إلى جبل لبنان، ومنه، مع كثيرين من أهل الجبل، إلى بيروت، عاصمة الكيان الجديد: لبنان الكبير، الذي أنشأته فرنسا، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. وفيه يشير المؤلف إلى أن أغلب المراجع تشير إلى أن فيروز ولدت في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1935، فيما تبيّن صورة لوثيقة من السجل المدني غير معتمدة بخاتم رسمي، أن ولادتها كانت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1934. لكن فيروز أشارت في حوار صحافي إلى أنها من مواليد عام 1935. كما أن الاحتفاء بمولدها يتم دائماً في 21 نوفمبر من كل عام، من دون أن تعترض السيدة فيروز، ما يعني أن ولادتها كانت عام 1935، وهذا ما اعتمده الكتاب.

بيروت توازي القاهرة

في الفصل الثاني سيعرض لنا د. آغا القلعة شبكة موسيقى المدن العربية، التي كانت تجمع حواضر العالم العربي، في شبكة تتناقل الرصيد الموسيقي، بشكل مستقل عن شبكات الموسيقى في الأرياف العربية، متوقفاً عند دور حلب ودمشق في تحفيز النهضة الموسيقية في القاهرة، على الشبكة، وعند دور بيروت كمتلقٍ لنتاجها الموسيقي، والعناصر التي ستحوّل بيروت بالتدريج، لتكون مركزاً إبداعياً منافساً لمركز القاهرة، قادراً على بث نتاجه عبر الشبكة، من خلال أثير إذاعة دمشق أساساً، وهو النتاج الذي كانت فيروز، المحرض والناشر الأهم له. ويلخص المؤلف في الفصل الرابع الواقع الموسيقي في جبل لبنان، بفنونه ذات الطابع الريفي والجبلي الشامي، وكذلك التيارات الموسيقية فيه، المعبّرة عن تيارات فكرية مختلفة، وصولاً إلى توصيف إرهاصات تشكّل مركز بيروت الموسيقي، كمركز موازٍ لمركز القاهرة.
شخصيات أخرى
قسم المؤلف د. آغا القلعة الباب الثاني من كتابه أيضاً إلى أربعة فصول، وقد بحث فيه الإرهاصات التي رافقت تشكل مركز بيروت الموسيقي، في الفترة التي سبقت لقاء فيروز مع الأخوين عاصي ومنصور رحباني، وذلك من خلال البحث في منابعهم المباشرة، وكيفية تفتح خلاياهم للمعرفة، وكذلك من خلال تتبع مسارات شخصيات أخرى، أسهمت في مسيرة فيروز، وفي تشكّل مركز بيروت الموسيقي، كالأخوين فليفل في بيروت، وحليم الرومي، ومن خلال أدوات نشر أساسية، كالإذاعات، التي كانت الدعامة الرئيسية لتشكّل أي مركز إنتاج موسيقي معاصر على شبكة موسيقى المدن العربية، والتي ستكون الناشر الأساسي لنتاج فيروز والأخوين رحباني الموسيقي، على الأقل في المراحل الأولى.

مسارات متناقضة

وعن الباب الثالث للكتاب يقول د. آغا القلعة سأتتبع في هذا الباب وفي ظل المستجدات التي ستسيطر على الأحداث في عامي 1948و1949، المسارات الموسيقية المتناقضة لكل من الأخوين رحباني، مع صوت شقيقتهما سلوى (نجوى) ونهاد حداد (فيروز)، مع الأخوين فليفل، ثم مع حليم الرومي ونقولا المني وخالد أبو النصر وآخرين. كما سيشهد هذا الباب، بداية دخولنا في التحليل الموسيقي، لغاية إبراز ذلك التناقض، بعد اكتمال توصيفنا لتكوُّن منابع وأدوات الأخوين رحباني، ولاستكمال تدريب صوت فيروز، ما يستدعي أيضاً، استعراض عناصر اللغة الموسيقية كما تطورت في مصر في نهاية الأربعينات، من خلال السينما أساساً، وكذلك استعراض طبائع الأصوات المنافسة في بيروت لصوت فيروز، سواء أكانت الأصوات السائدة في بيروت، في نهاية أربعينات القرن العشرين، أم الأصوات اللبنانية الواصلة عبر السينما المصرية، ففي هذا الاستعراض كشفٌ عن الفرصة العابرة التي أتيحت لفيروز، لتستغلها أفضل استغلال، ولتصبح، مع الوقت، إحدى شهيرات العالم!.