أستاذ الإعلام والاتصال -الجزائر-
الطيارة الصفرا (الطائرة الصفراء) -كما أسماها الجزائريون أثناء حرب التحرير الوطنية- هي (Moran Saulnier MS.733 Alcyon) الطائرة الحربية الاستطلاعية فرنسية الصنع؛ والتي حَوَّرَها الجيش الفرنسي لتصبح طائرة مُقَنبِلة؛ وهدف استعمالها هو رصد و”اصطياد” ال(HLL) كما كان يُسمِيهم الفرنسيون وإعلامهم” -هذا ما أخبرني به المخرج “نجيب لعرابة”- و (HLL) تعني (les hors la loi) حيث كان يُنعَت المُنَاضلُون آنذاك بالخارجين عن القانون أو الإرهابيين؛ وفي أكتوبر 2023 مازال محبوا الحياة والحرية والمقاومون يُنعَتُون بال(HLL) ويُقمع أي متعاطف معهم من الحديث أو التعبير، والكل يذكر أن “نيلسون مونديلا” كان هو الآخر يسمى ب (HLL) أيام طغيان العنصرية قبل أن يَعتَرِف العالم بأسره على أنه مناضل تاريخي ورجلٌ قَل نظيره.
“الطيارة الصفرا” هي أيضا عنوان لأغنية شعبية ثورية جزائرية تصور حال فتاة جزائرية من عمق قرى جبال الأوراس؛ ويُنسَبُ أصل الأغنية إلى امرأة من الشرق الجزائري اسمها (نوارة لعيايدة)؛ وتَنقُل المصادر على أنها أول من دندنت هذه الأبيات لتخليد جانب من كفاح الجزائريين وتضحياتهم من أجل استرداد أرضهم وحريتهم، حيث تناشد فيها الفتاة (صاحبة الأبيات) الطائرة الصفراء أن لا تضرب (تقصف) “الطيارة الصفرا حبسي ما تضربيش؛ عندي راس أوخي ومي ما تضنيش” والتي تعني: (لا أملك في هذه الدنيا غير أخي؛ وأمي كبرت ولم تعد تلد) هذا ما يصور الآلام التي كان الشعب الجزائري يعيشها في تلك الفترة؛ حيث كانت العائلات تتوجس من تحليق هذه الطائرة فوق مناطق عيشهم؛ مخافة أن يقتل القصف رجالهم وتفقد العائلات آخر من لها ويندثر اسمها… مازلت في أكتوبر 2023 أسماء عائلات تُمحَى من على سجلات الحالة المدنية لأن كل أفرادها قد قضوا تحت القصف؛ وأطفال ونساء يُرَحَلُون رغم ما تكفُلُهُ شريعة السماء وشرائع الأرض؛ وكل ما تَتَغَنَى به المواثيق العالمية لحقوق الإنسان الأبيض من الحق في الحياة والحرية والمقاومة.
الطيارة الصفرا قصيدة رثاء لعزيز ووطن وأبياتها افتخار بالتضحيات وإكبار بمجد لن يبيد وتذكير بالتحدي الذي لا يرضى إلا بالنصر أو الشهادة، تنقل هذه القصيدة شعورا صريحا ومتناقض؛ تستجدي فيها الضحية جلادها، لكن هذا لا يعني الاستسلام والخنوع بل تطلق آخر القصيدة بيت التحدي “أسي أسي ياامي أسي ما تبكيش؛ طالع للجبل نموت ومانرونديش” (توقفي أمي عن البكاء؛ سألتحق بالجبل أموت ولا أستسلم)، فهذه هي عقيدة (HLL) إشارة الى مواصلة المقاومة ضد وجه القوة لأنها منهزمة لا محال.







