السياسي – حذرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، من أن غزة باتت واحدة من أكثر الأماكن تلوثاً بالذخائر غير المنفجرة في العالم بعد 10 أشهر من حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع.
ونشرت الصحيفة مقالا كتبته “هانية البيومي” وهي مديرة الاستجابة للطوارئ في غزة لمجموعة الاستشارات الخاصة بالألغام، أبرزت فيه أنه في خضم كل هذه الأهوال التي تتكشف في غزة هناك أهوال ما زالت خفية حتى الآن، ولكنها تهدد بإفساد الآمال في التعافي لفترة طويلة بعد توقف القنابل عن السقوط.
وقالت البيومي إن غزة هي واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض. ومن المؤسف أنها قد تكون الآن واحدة من أكثر الأماكن تلوثاً بالذخائر غير المنفجرة، وهذا إرث مميت من شأنه أن يودي بحياة الناس ويعرقل محاولات إعادة الإعمار لسنوات قادمة.
وذكرت أنها تعرف ذلك من عملها اليومي الذي يتطلب التنقيب بين الأنقاض وبقايا الحرب مرتديين دروعًا ثقيلة، في محاولة لرسم خريطة طريق للمضي قدمًا بعيدًا عن الدمار والخراب.
مئات آلاف الصواريخ والقنابل
نبهت البيومي إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أطلقت على قطاع غزة مئات الآلاف من الصواريخ والقنابل اليدوية والقذائف وقذائف الهاون وغيرها من الأسلحة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وقالت “من المؤكد أن نسبة كبيرة من هذه الأسلحة لم تنفجر وقد تكون مدفونة أو عالقة بين الأنقاض أو ملقاة على السطح”.
وأضافت “يتعين على خبراء الألغام الأرضية والذخائر المتفجرة أن يذهبوا إلى مناطق الحرب بعد أن تهدأ الأمور ويبحثوا عن كل واحدة من هذه الأسلحة القاتلة المحتملة، مما يجعلها آمنة”.
وفي غزة، قد تكلف عملية إعادة الإعمار المضنية والخطيرة، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نحو 40 مليار دولار أميركي (32 مليار جنيه إسترليني) ، وقد تستغرق أكثر من عقد من الزمان حتى تكتمل.
ولن يتسنى معرفة الحجم الدقيق للتحدي إلا عندما يسمح الوصول الآمن بإجراء مسح مناسب، ولكن طبيعة هذا التحدي ستكون فريدة من نوعها بالتأكيد بحسب البيومي.
وقالت “بالمقارنة بالصراعات الحضرية الأخيرة التي اكتسب زملائي خبرة واسعة فيها، فإن التلوث في غزة سيكون بالتأكيد أكثر تعقيدًا من التلوث الذي شهدناه في الموصل بالعراق أو الرقة في شمال سوريا ، حيث خلفت المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية دمارًا واسع النطاق لا يزال واضحًا حتى اليوم”.
وأضافت “لقد دمر استخدام الأسلحة الثقيلة تلك الأماكن في العراق أو شمال سوريا، ولكن الحجم الهائل للدمار في غزة (التي يبلغ حجمها ضعف حجم الموصل) والطبيعة الكثيفة للبيئة الحضرية في غزة سيجعلان التطهير هنا أمرًا صعبًا للغاية”.
وذكرت أن حجم المهمة يزداد سوءاً بسبب التنوع الهائل في الأسلحة المستخدمة ــ من الصواريخ الموجهة بدقة إلى نيران المدفعية والقنابل اليدوية.
وهناك ما يقدر بنحو 37 مليون طن من الأنقاض التي سيتعين على الخبراء غربلتها لتفجير المتفجرات؛ ثم هناك القنابل التي يتم إسقاطها جواً والتي يمكن دفنها على عمق يصل إلى 14 متراً تحت السطح. وسوف يتطلب كل منها نهجاً مختلفاً، حيث يتم تفجير بعضها في مكانها بينما يتطلب البعض الآخر إزالة الصمامات المعقدة والحساسة من قبل خبراء الذخائر المتفجرة المدربين تدريباً عالياً.
مخاطر جوهرية
قالت البيومي إن مثل هذه الإزالة للصواريخ والقنابل غير المنفجرة مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً. كما أنها تنطوي على مخاطر جوهرية.
ففي غزة، نعلم أن مخاطر الأسبستوس والمواد الكيميائية سوف تتفاقم، وأن أماكن مثل المستشفيات سوف تشكل مخاطر بيولوجية أو إشعاعية إضافية ناجمة عن المعدات الملوثة ومرافق الأشعة السينية. ومن المؤسف أن خبراء الذخائر المتفجرة سوف يضطرون أيضاً إلى مواجهة المهمة المروعة المتمثلة في التعامل مع بقايا البشر.
وأكدت البيومي نه يتعين على الدول أن تفكر في كيفية التعامل مع عواقب هذا الصراع المستمر في غزة. فكلما تمكنا في أقرب وقت ممكن من مسح وتحديد الأولويات والبدء في مهمة التطهير الخطيرة والصعبة، كلما تمكنا في أقرب وقت ممكن من تمكين المرور الآمن للإغاثة الإنسانية وإعادة بناء البنية الأساسية الأساسية.
وقالت “بصفتي محترفاً عمل في مجال إزالة الألغام للأغراض الإنسانية على مدى العقد الماضي، فإنني أفكر أيضاً في الإجراءات الملموسة التي يتعين علينا اتخاذها الآن لضمان التعافي السريع الممكن للشعب الفلسطيني في غزة. وهذه الخطوات بسيطة في تعريفها: وقف إطلاق النار الذي ينهي القتل ويتيح الوصول الآمن؛ وتعهد المجتمع الدولي بتوفير التمويل وإطلاقه في أقرب وقت ممكن”.
وأضافت “كلما تمكنا من جعل غزة آمنة في أقرب وقت، كلما تمكنا من إعادة بناء المجتمع الفلسطيني في القطاع في أقرب وقت ممكن – وكلما تمكنا من البدء في التقاط أجزاء الحياة المحطمة في أقرب وقت ممكن”.