الموت جوعًا وعطشًا وقصفًا..

بهاء رحال

ما الذي يمكن أن تفعله حرب الإبادة أكثر مما فعلت، وأكثر مما نشهده كل دقيقة وكل لحظة، من قصف وخراب وتدمير ممنهج لكل نواحي الحياة التي لم تعد تصلح للحياة في غزة. الموت جوعًا بات أحد السمات الهاجمة على الناس طيلة الوقت، والفقد والموت سمة كل لحظة، ودرجات الحرارة في ارتفاع والناس عطشى، يكابدون العيش بأجسادٍ تعاني الجفاف والجوع، وسط خيام حرارتها عالية في ظل فصل الصيف، حيث موجات الحر تشتد وترتفع، أما النازحون في مراكز الإيواء فحالهم مثل حال النازحين في الخيام، فلا فرق في المعاناة، ولا حال أفضل من حال في غزة.

 

أيام موحشة وزمان تراجعت فيه النخوة وكل معاني التعاضد والشهامة والقيم والمبادئ، وسقطت الإنسانية سقوطًا مدويًا أمام مشاهد الموت عطشًا وجوعًا.

 

في عيون صغار غزة نظرة رجاء ونظرة خيبة من عمقهم العربي والإنساني الدولي، حيث يشهدون هذا الضعف وهذا التخلي عنهم، وأمامهم عدو لا يرحم ولا يتوقف عن جرائمه التي ينفذها.

 

تتواصل حرب الإبادة الجماعية البشعة، ويتواصل القصف والقتل والخراب، ويزداد الحصار، فلا دواء ولا ماء ولا غذاء، ومع كل دقيقة تزداد صور المعاناة، ويزداد الألم، ويمعن الاحتلال في حربه بلا حدود، ولا يأبه بمواصلة قصف كل المؤسسات الدولية، خاصة الصليب الأحمر، ووكالة الغوث، وغيرها من المؤسسات التي تعمل تحت علم الأمم المتحدة، فالاحتلال منذ اليوم الأول للمقتلة وهو لا يأبه بشيء، بل تعدت جرائمه وفاقت كل الحدود، وهو حتى اليوم ماضٍ في حصاره ومذابحه التي لم تتوقف.

 

حرب الإبادة غير المسبوقة أظهرت فشل العالم وضعفه، كما أظهرت زيف المواثيق الدولية التي عجزت حتى اليوم عن وقف العدوان، واتضحت صورة العالم الصامت الذي لم يتحرك لمنع ارتكاب المزيد من الجرائم، ووقف هذه الإبادة الجماعية.

 

إن حالة الصمت الدولي والصمت العربي تدفع الاحتلال لتنفيذ المزيد من جرائمه، وكشفت حالة العجز عن وقف هذه المقتلة، اللثام عن وجه العالم الحقيقي الذي يشاهد ويشهد كل ما يحدث في غزة، وسط صمته وعدم اتخاذه أية قرارات فاعلة، من شأنها وقف هذه الحرب، وإدخال المواد الغذائية والدوائية للناس بشكل عاجل جدًا، فالحال في غزة غاية في القسوة ويستدعي تحركًا جادًا، إن بقي لدى العالم بعض حياءٍ أو خجل.

 

الأطفال يموتون عطشًا في غزة، فما أقبح هذا الزمان الذي نعيش فيه، وما أقبح هذا العالم الذي يسكت، وما أقبح عروبتنا التي لم تمنع موت الصغار عطشًا وجوعًا، فأرض النيل والفرات يموت فيها أطفال غزة من العطش، فعن أي زمان نتحدث، وعن أية خيبة يمكن أن نصف، وأية عروبة في عين صغار غزة الجوعى والعطشى، يمكن أن تكبر.

 

مشاهد مروعة وقاسية، وأخرى توجع القلب، والحال في غزة يزداد بؤسًا والمعاناة لا تتوقف، ولا أحد يوقف هذه المقتلة المستمرة والمتصاعدة حتى اليوم، فهل وصلنا إلى هذه المرحلة التي تترك فيها غزة لعدو لا يرحم، لا يدخل الطعام والماء، ويواصل حربه بالقتل والقصف والخراب.

 

……

حرب الإبادة غير المسبوقة أظهرت فشل العالم وضعفه، كما أظهرت زيف المواثيق الدولية التي عجزت حتى اليوم عن وقف العدوان.