لطالما ارتبطت الأنظمة الشمولية بمحاولات طمس الهويات الفرعية، وصهر التعدّد في بوتقة واحدة تحت مسمّيات الدولة الواحدة أو الأمة المتجانسة. إلا أنّ هذا الإلغاء القسري غالبًا ما يُنتج ردّات فعل عنيفة، لا سيما حين تتعلّق المسألة بجوهر الإنسان وانتمائه الثقافي والتاريخي. فحين تُقمع الهويات، لا تختفي، بل تتحوّل إلى قوى كامنة تبحث عن مسارات جديدة للظهور والتعبير، الأمر الذي يؤدي إلى خلخلة البُنى المركزية وتفككها في كثير من الأحيان. في هذا السياق، تبرز الهُويّة بوصفها محركًا صامتًا لتفكيك الأنظمة الشمولية، وإعادة رسم الخرائط السياسية والاجتماعية.
إذا جاز التعبير، فإنّ انتعاش مسألة الهُويّة يُعَدُّ واحدًا من العوامل الأساسية في تفكيك الأنظمة الشمولية، إذ يدفع بعض الكيانات الفرعية إلى السعي للتحرّر والانعتاق، والتطلّع نحو تحقيق شكل من أشكال الخصوصية والاستقلال الذاتي، الذي يمنحها كيانًا خاصًا بها، ويُعيد لها حضورها التاريخي والثقافي.
هذا التوجّه غالبًا ما ينجم عن شعور عميق بالتهميش والإقصاء والإلغاء، تحت ذرائع ومزاعم مختلفة، ما يدفع بتلك الهويات المهمَّشة إلى البحث عن مسارات جديدة تُمكنها من استعادة ذاتها، والتمسّك بخصوصيتها، لا سيما بعد تجارب طويلة من الاستصغار والعداء، والممارسات الفوقية والاستعلائية التي فُرضت عليها.
وقد أدّت العلاقة الجدلية بين الفعل وردّ الفعل في هذا السياق إلى خلق أزمات عميقة، تفجّرت أحيانًا في شكل نزاعات دموية، وفتن داخلية، وحروب أهلية طاحنة، أفضت إلى التهجير القسري، والإبادات الجماعية.
وقد حدث ذلك تارةً تحت شعار حماية “الهُويّة الكبرى” من الاختراق أو التشويه، وتارةً أخرى تحت ذريعة “تحقيق الهُويّة” أو التمسّك بها، لا سيما في حالة الهويات الفرعية أو الصغيرة، التي سعت إلى الحفاظ على ذاتها في وجه محاولات التذويب أو الإخضاع أو الإلغاء القسري.
الهُويّة وتفكيك السلطة الشمولية: من النبذ إلى التمرد.:

بقلم: عماد خالد رحمة _ برلين.