السياسي – لا الحجر ولا البشر في مأمن من حرب الإبادة الإسرائيلية على لبنان، وأبرز دليل على ذلك هو مدينة بعلبك الأثرية التي تعود تاريخها إلى 3000 عام، والمصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو”.
خلال الأسابيع الأخيرة، تعرضت مدينة بعلبك، المعروفة بلقب “مدينة الشمس” والتي تُعتبر مركز قضاء بعلبك في محافظة بعلبك الهرمل شرق لبنان، لغارات جوية إسرائيلية استهدفت بعض معالمها الأثرية القديمة، التي تعود العديد منها إلى العصر الروماني. ويهدد التصعيد الجديد للاحتلال الإسرائيلي، الذي بدأ يوم الأربعاء، بإلحاق أضرار جسيمة بتلك المعالم الأثرية.
-دمار هائل
وتسببت عشرات الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة بعلبك، في الآونة الأخيرة، في دمار هائل شمل أحياء المدينة وأطرافها ووسطها التجاري. ففي يوم الاثنين الماضي، استشهد 63 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، وأصيب العشرات الآخرون جراء غارات إسرائيلية مكثفة، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.
كما ألحقت هذه الغارات أضراراً بالمواقع الأثرية، مثل “قبة دوريس” في بلدة دوريس التابعة لبعلبك، التي يسكنها بشكل رئيسي التركمان اللبنانيون. وتاريخ بناء هذه القبة يعود إلى العصر الأيوبي في القرن الثالث عشر الميلادي، حيث تم تشييدها باستخدام مواد مأخوذة من الآثار الرومانية القديمة، مما يضفي عليها قيمة تاريخية مضاعفة. وقد تضررت أعمدة هذا المبنى التاريخي، وبدأت الحجارة تتساقط نتيجة الغارات الإسرائيلية العنيفة.
وفي السادس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تصاعدت سحب الدخان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي الذي استهدف الأعمدة الرومانية الأثرية بقلعة بعلبك، المُدرجة على قائمة “اليونيسكو” للتراث العالمي منذ عام 1984.
وحذّر محافظ بعلبك الهرمل، بشير الخضر، في تصريحات صحفية، من أن هذه الغارات قد تترك آثاراً سلبية على القلعة، سواء من الدخان الأسود الذي يؤثر على الحجارة أو من قوة الانفجارات التي قد تؤثر ارتجاجاتها على الموقع.
وأكدت “اليونيسكو” في بيان لها أنها تتابع عن كثب تأثير الأزمة الحالية في لبنان على مواقع التراث الثقافي، بما في ذلك مواقع التراث العالمي.
-تصعيد لا يتوقف
مع تصعيد القصف الإسرائيلي يوم الأربعاء، يزداد الخطر على المعالم الأثرية في بعلبك، التي تعتبر السياحة المصدر الأساسي لدخلها.
في وقت سابق، حذر المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، سكان بعلبك وبلدتي عين بورضاي ودورس المجاورتين من الإخلاء، مؤكداً أن الجيش “سيعمل بقوة ضد مصالح حزب الله داخل مدينتكم وقراكم”، وفق تعبيراته.
في الأسابيع الأخيرة، بدت الحياة في المدينة شبه متوقفة نتيجة العدوان الإسرائيلي، حيث تغلق المتاجر أبوابها مبكراً، بحلول الساعة الثانية بعد الظهر. كما توقفت الحركة السياحية التي تشتهر بها المدينة الأثرية والدينية، إذ يتسوق من تبقى من السكان بسرعة خلال النهار، ونادراً ما يخرجون بعد الظهر.
بينما أفاد مسؤولون لبنانيون بأن المدينة شهدت نزوح نحو 40 من سكانها البالغ عددهم أكثر من 250 ألف نسمة، يبدو أن الإنذار الإسرائيلي الأخير يشير إلى احتمال إخلائها بالكامل. وقد بدأت المؤشرات على ذلك بالفعل.
فقد شهدت جميع شوارع مدينة بعلبك يوم الأربعاء ازدحاماً مرورياً كثيفاً نتيجة مغادرة الأهالي من البلدات المجاورة مثل عرسال وير الأحمر.
-أين اليونيسكو؟
وفيما يتعلق بالقلق على التراث الثقافي للمدينة بسبب العدوان الإسرائيلي المتزايد، أكد وزير الثقافة اللبناني، محمد وسام عدنان المرتضى، أنه “لم يتم طلب تعهد من إسرائيل بعدم قصف المواقع الأثرية مثل قلعة بعلبك، لأننا لا نعتمد على أي تعهدات من إسرائيل”.
وأشار إلى أن لبنان “ذكر أن هناك مواقع تراثية وأثرية في البلاد مدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وبالتالي على اليونيسكو أن تتولى مسؤولية حماية هذه المواقع لأنها مدرجة على قائمتها”.
وأكد الوزير أنه قد تم الطلب من اليونيسكو أن “تتفاعل بشكل مباشر مع هذه التهديدات وفقاً للمواثيق والأهداف التي تتبناها”. وأوضح أن “إسرائيل تستهدف المواقع الأثرية إما بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال القصف في محيطها”.
وفيما يتعلق بتأثير الغارات على مدينة بعلبك على القلعة الأثرية، قال: “لا نعلم بعد التفاصيل الدقيقة، إذ لم يتم القيام بمسح شامل، ولا توجد أضرار ظاهرة حتى الآن”. لكنه أضاف: “على المدى الطويل، سيتبين تأثير الضربات التي تقع بالقرب من القلعة”.
ودعا الوزير اللبناني “اليونيسكو” إلى اتخاذ “إجراءات لحماية القلعة في هذه المرحلة”.
-40 بالمئة نزوح
من جهته، علق عضو مجلس بلدية بعلبك، محمد طه، على آثار العدوان الإسرائيلي على المدينة، مشيراً إلى أن “حوالي 40% من السكان، الذين يبلغ عددهم 250 ألف، غادروا منازلهم إلى مناطق أكثر أماناً، حيث انتقل العديد منهم إلى مراكز الإيواء، ويبلغ عدد هذه المراكز في بعلبك خمسة”.
وأضاف طه أن “البلدية تواصل أداء مهامها بالكامل، بما في ذلك جمع النفايات وإزالة الأنقاض بعد كل غارة، بالإضافة إلى فتح الطرقات”. وتابع: “هذا هو واقع الحياة في مدينة بعلبك، الذي يعتمد دائماً على تطورات الأحداث والعدوان الإسرائيلي، ونحن نترقب ما ستسفر عنه الساعات القادمة”.
ويواصل الاحتلال عدوانا واسعا على لبنان تصاعد بشكل كبير منذ الـ23 من أيلول/ سبتمبر الماضي لتشمل معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه.
وأسفر العدوان على لبنان إجمالا عن ألفين و822 شهيدا و12 ألفا و937 جريحا ، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي، وفق أحدث البيانات الرسمية اللبنانية المعلنة حتى مساء الأربعاء.
ويوميا يرد “حزب الله” بإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة وقذائف مدفعية تستهدف مواقع عسكرية ومقار استخبارية وتجمعات لعسكريين ومستوطنات، وبينما تعلن دولة الاحتلال جانبا من خسائرها البشرية والمادية، تفرض الرقابة العسكرية تعتيما صارما على معظم الخسائر، حسب مراقبين.