تُمثل المستوطنات الاسرائيلية واحدة من اكثر القضايا الجوهرية تعقيداً وخطورة في الصراع الفلسطيني_ الاسرائيلي، وتقدير الموقف بشأنها يستوجب النظر من زوايا سياسية وقانونية وديموغرافية وامنية لكن قبل الخوض في تلك الزوايا لا بد الاستفاضة والحديث عن الاستيطان الاسرائيلي.
يُعتبر الاستيطان الإسرائيلي بمثابة سرطان خطير يستشري في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وينهش جسد المدن والقرى الفلسطينية ليقطع أوصالها ويشتت ساكنيها، وباتت الضفة الغربية أشبة بمدن صغيرة منفصلة بالمئات من التجمعات والبؤر الاستيطانية التي تتمركز على الجبال والتلال، محولةً حلم الدولة الفلسطينية إلى سراب والهدف من تسارع الاستيطان هو انهاء تشكيل الدولة الفلسطينية.
والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس هو استيطان قائم على أساس إحلالي، إذ أقامت إسرائيل مناطق صناعية وأعطتها امتيازات كبيرة، وتطورت بدرجة كبيرة جدا في السنوات الأخيرة، وساهمت حركة الاستيطان القروي او الزراعي الصهيوني من مختلف الانتماءات السياسية للمستوطنين قبل وبعد قيام إسرائيل في مشروع الاستيلاء على الأرض من سكانها الأصليين وبعدها من سكانها المهجرين وفي تطوير الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك من حيث تطوير الإنتاج الزراعي على أنواعه، وبالتالي تطوير البنى الاقتصادية الصهيونية التعاونية، وتحوّل كثير من الإستيطان منذ نهاية الثمانينات إلى أشكال الإنتاج الصناعي والسكن الإقتصادي، إلى جانب المستوطنين أصحاب الدوافع الدينية.
أقيمت المستوطنات بالقرب من المدن التاريخية التي يدعي اليهود أن لهم حقا تاريخيا فيها بهدف منع التواصل الفلسطيني داخل الضفة الغربية ومع الدول المحيطة تحقيقا لاستراتيجية التخطيط والإنجاز التي يمكن إيجازها باستراتيجية “الإحاطة ثم التغلغل” المستقاة من المفاهيم العسكرية والمترجمة للتخطيط المدني.
هناك اهداف من الاستيطان واهمها، المحافظة على عمق البلاد من نهر الأردن وحتى السهل الساحلي، والسيطرة على سلسلة الجبال في الضفة الغربية، وانشاء شبكة واسعة من الطرق لربط المستوطنات.
وهناك قوانين تستغلها اسرائيل للسيطرة على الاراضي الفلسطينية وهي قانون املاك الغائبين، واملاك الدولة، ومصادرات للمصلحة العامة، اما رؤية اسرائيل المستقبلية حول الاستيطان طرد الفلسطينيين واحلال بدلهم المستوطنيين.
هناك تاثير للاستيطان وهو مصادرة المصادر الطبيعية وخفض مستوى الانتاج الزراعي للفلسطينيين، وهناك تاثير على الناحية الاجتماعية للفلسطينيين كانتشار الفقر والبؤس بينهم، ومصادرة الاراضي يؤثر على التنمية الاقتصادية والحضرية بقطع التواصل بين المدن، ومن الناحية الاخرى فهو يقتل حلم الدولة الفلسطينية.
تواصل حكومة الاحتلال البناء بوتيرة متسارعة في الضفة، ولاسيما بعد تولي دونالد ترمب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية ضمن الولاية الاولى واما بولايته الثانية اصبح هناك جرأة من الحكومة الائتلافية في ترسيخ وتسريع الاستيطان في الضفة الغربية تحديدا ضمن مشاريع E1 الذي سيلتهم اكثر من 25% من اراضي الضفة الغربية وليس هدفهم فقط بناء القدس الكبرى على حساب الارضي الفلسطينية بل مدها حتى غور الاردن، والتهام مزيدًا من أراضي المواطنين لتوسيع المستوطنات التي تستحوذ على مساحة 60% من الضفة الغربية حيث دائما سموتريتش يدعو الى تسارع الاستيطان بشكل كبير جدا حتى يتم انهاء تشكيل الدولة الفلسطينية وضم اكثر من ثمانون بالمئة من اراضي الضفة الغربية لصالح دولة اسرائيل، اضافة الى تصريحات نتنياهو والتي يدعو فيها الى دعم الاستيطان بشكل كبير جدا وعدم تشكيل الدولة الفلسطينية.
ولتقدير موقف بشان الاستيطان لا بد من النظر الى عدة زوايا اولا:
البعد السياسي:
تثبيت الاحتلال حيث ان استمرار التوسع الاستيطاني يهدف عمليا الى تقويض امكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة عبر تقطيع اوصال الضفة الغربية وربطها بشبكة طرق التفافية تخدم المستوطنين فقط.
اداة تفاوضية:
الحكومات الاسرائيلية تستخدم الاستيطان كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية بحيث يصبح الانسحاب من بعض المستوطنات مكسبا تفاوضيا بدلا من التزام بقرارات الشرعية الدولية.
تعقيد الموقف الدولي:
رغم القرارات الدولية التي تعتبر المستوطنات غير شرعية مثل قرار 2334 لعام 2016 لكن اسرائيل تواصل بدعم من قوى كبرى في البناء والتوسع.
البعد القانوني:
انتهاك القانون الدولي تحديدا اتفاقيات جنيف الرابعة التي تحظر على قوة الاحتلال نقل سكانها المدنيين من الاراضي المحتلة.
جرائم حرب :
المحكمة الجنائية الدولية فتحت تحقيقا اوليا حول الاستيطان باعتباره جريمة حرب وفق نظام روما.
البعد الديمغرافي:
تغيير التركيبة السكانية هناك اكثر من 700 الف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية هذا يعكس فرض وقائع جديدة على الارض.
خلق كنتونات فلسطينية:
التوسع الاستيطاني يقسم الضفة الى مناطق معزولة ويجعل التواصل الجغرافي بين المدن الفلسطينية ضعيفا ما يصعب قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
البعد الامني:
ذريعة امنية اسرائيل تبرر بناء المستوطنات بالحاجة الى عمق استراتيجي وحماية حدودها لكن في الواقع المستوطنات تولد بؤر احتكاك دائم مع الفلسطينيين.
تصعيد التوتر حيث ان وجود المستوطنين تحت حماية الجيش يفرض واقعا من العنف اليومي ويزيد احتمالات المواجهة المستمرة.
التداعيات المستقبلية:
استمرار الاستيطان يهدد بشكل مباشر حل الدولتين ويقود اتجاه اشكال اخرى ذات طابع ابرتهايد حيث يعيش الفلسطينيين في معازل محرومة السيادة.
أي تسوية مستقبلية ستصطدم بعقدة تفكيك المستوطنات او الابقاء عليها وهو ما قد يفتح سيناريوهات صدامية واسعة.
الخلاصة:
المستوطنات ليست مجرد “مشروع اسكان” بل هي اداة استراتيجية لفرض السيطرة الاسرائيلية على الارض الفلسطينية ونسف امكانية الحل السياسي العادل، من منظور القانون الدولي والامن الاقليمي حيث تعد المستوطنات عامل تفجير مستمر للصراع ولن يتحقق استقرار حقيقي دون معالجة هذا الملف بشكل جذري