عمر حلمي الغول
لعل الدرس الأهم من حرب الإبادة الجماعية التي تقودها الإدارة الأميركية مع حلفائها في الغرب الرأسمالي ودولتهم اللقيطة إسرائيل، هو إدراك القوى والأحزاب وقطاعات الشعب العربي الفلسطيني كافة العمل على ترميم جسور الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد، وتشكيل حكومة توافق وطني مهماتها الأساسية هي: أولا وقف الحرب فورا على الشعب الفلسطيني في مختلف محافظات الوطن وخاصة في قطاع غزة؛ ثانيا وضع خطة إعمار ما دمرته الحرب الصهيو أميركية؛ ثالثا تأمين أماكن إيواء لابناء الشعب الذين دمرت بيوتهم، وإعادة تأهيل المدارس والمعاهد القابلة لاستقبال التلاميذ والطلاب، وإيجاد أماكن مؤقتة للجامعات المدمرة لحين إعادة بناءها، وتأهيل المستشفيات والمراكز الصحية لاستقبال المرضى والجرحى والمرضى بعد تأمين المستلزمات الطبية، وترميم ما دمرته الحرب الاجرامية؛ رابعا تفعيل دور الوزارات والمؤسسات والأجهزة الأمنية كافة في جناحي الوطن؛ خامسا إحياء وتفعيل دور المصانع والورش التي لم تدمر، وإعادة بناء المدمر منها في اطار خطة الاعمار الشاملة؛ سادسا إجراء انتخابات شاملة برلمانية ورئاسية ومجلس وطني لاختيار الهيئات القيادية عبر صناديق الاقتراع، وبحيث تشمل محافظات الوطن كافة وفي طليعتها القدس العاصمة، وغيرها من القضايا اللوجستية لاعادة تأهيل المجتمع الفلسطيني في مناحي الحياه كافة
وفي السياق عقد دورة للمجلس الوطني بعد الانتخابات واشتقاق برنامج سياسي وكفاحي وتنظيمي واداري مالي موحد بمشاركة القوى والفصائل السياسية بما فيها حركتي حماس والجهاد الإسلامي، واجراء مراجعة وتقييم لقرار العملية الفدائية الواسعة في 7 أكتوبر ، وما تمخض عن حرب الإبادة الجماعية من ويلات ومصائب طالت أبناء الشعب2023، وتحديد المسؤوليات والاخطار التي نجمت عنها، وتعزيز الوحدة الوطنية على أرضية القواسم المشتركة، والانخراط في العملية السياسية الأممية لتكريس واستقلال الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967 كنتاج للمؤتمر الدولي الذي يفترض ان يعقد مباشرة مع زوال غبار الحرب، وانسحاب القوى المعادية المشاركة من القطاع وفي مقدمتها الجيش الإسرائيلي، ووقف بلطجة ووحشية الجيش الإسرائيلي وقطعان المستعمرين في الضفة .
لكن حركة حماس حتى اللحظة الراهنة لم ترتق الى مستوى المسؤولية التنظيمية الخاصة والوطنية العامة، ومازالت تبحث عن الحسابات الفئوية الضيقة، وهذا ما عكسته الوثيقة التي أصدرتها حماس يوم الاحد الماضي بعنوان “لماذا طوفان الأقصى”، التي لم تتضمن أي نقطة تتعلق بالوحدة الوطنية، ولا بالانخراط في منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب. وشروطها الثلاث لعملية تبادل الاسرى الإسرائيليين مع اسرى الحرية الفلسطينيين، التي كشف عنها تقرير القناة “12” الإسرائيلية يوم السبت 20 يناير الحالي، وهي أولا وقف كامل للحرب؛ ثانيا انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع، دون ذكر لوقف عربدات الجيش الإسرائيلي وقطعان المستعمرين في الضفة عموما والقدس خصوصا؛ ثالثا الحفاظ على حكمها في قطاع غزة. والنقطتان الأخيرتان تكشف عن مواصلتها نهج إدامة سيطرتها على القطاع، وهي تعلم علم اليقين أن ما قبل 7 أكتوبر يختلف عما بعده، وتجاهلت كليا ملف الوحدة الوطنية ودور منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد، واغمضت العين عن تجسيد استقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967 من خلال الدعوة لعقد مؤتمر دولي ملزم ووفق اجندة زمنية محددة.
كما ان حركة حماس في اللقاءات الخماسية مع عدد من فصائل المقاومة: حركة الجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية والقيادة العامة، لم تتجاوب مع الدعوات الوطنية المخلصة لتكريس الوحدة. رغم ان البيان الختامي تضمن العديد من النقاط الإيجابية، الا ان قيادة فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين ومن تساوق معها أصروا على الالتفاف على منظمة التحرير. كما رفضت تلك القيادة اللقاء مع حركة فتح بذرائع شتى، ودعت مع غيرها لتشكيل إطار مؤقت يتنافى مع روح الشراكة الوطنية تحت راية المنظمة. وهو ما يكشف ان حماس لم تتعلم الدرس الأهم، وهو الذهاب للوحدة الوطنية في اطار الممثل الشرعي والوحيد، وافتراض قيادتها في الدوحة من خلال التواصل الذي يجري من تحت الطاولة مع الإدارة الاميركية وإسرائيل، انها مقبولة لمواصلة دورها في السيطرة على محافظات غزة. لا سيما وان قيادة حماس في قطر من خلال تبرئة نفسها مما حدث في 7 أكتوبر، ورفضها لما جرى بمثابة شهادة لبقائها في مركز القرار في القطاع.
بالنتيجة على قيادة حماس التي تتبرأ من 7 أكتوبر ومما أصاب الشعب العربي الفلسطيني عموما وقطاع غزة خصوصا ان تعود لرشدها، وتراجع حساباتها جيدا إن كانت معنية في الشراكة السياسية تحت راية منظمة التحرير، وان تجنح نحو الوحدة الوطنية الغاية والوسيلة الوطنية الأهم للشعب لحماية الأهداف والثوابت الوطنية. ولا يوجد أحد يريد اقصاء حماس او الجهاد، ولكن على الحركتين ان تكفا عن المناورات العبثية والتي تبدد المصالح الوطنية العليا، ولتثمير العطاء المذهل للكفاح الوطني والمرعب في آن الذي أصاب الشعب الفلسطيني من حرب الإبادة الجماعية على محافظات الجنوب لتحقيق الأهداف الوطنية. فهل تعقلا وتعيدا النظر في خياراتها غير المسؤولة والمسيئة لكفاح الشعب التحرري.