السياسي – نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تقريرا حول الطريقة الذي تواجه به حركة حماس عدوان الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة المحاصر، الذي تستخدم فيه الأنفاق والمفخخات والكمائن.
وفي التقرير، قالت الصحيفة إنّها نقلت عن مسؤولين من حماس، وجنود إسرائيليين، ومحلّلين قاموا بتحليل عشرات من أشرطة الفيديو التي نشرها الجناح العسكري لحماس. وقالت إن مقاتلي حماس يخرجون من مخابئهم بزي مدني، يرتدون في بعض الأحيان جينز وملابس رياضية، قبل أن يُطلقوا النّار على جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو يربطون سيارات الجيش بقنابل متفجرة ويطلقون الصواريخ.
وتابع التقرير، بأنه في أحيان أخرى يفخّخون البيوت المهجورة، أو يخدعون جنود الاحتلال الإسرائيلي للدخول إليها من خلال ترك آثار عن وجود حماس فيها. وتقول الصحيفة إن الجناح العسكري لحماس خاض، خلال الثمانية أشهر السابقة، حربا لا مركزية وقوة قتالية خفية، مقارنة مع القوة التي استخدمت في عمليات تشرين الأول/ أكتوبر، والتي بدأت بعملية منسقة لاختراق الجدار الأمني العازل، وفرق كوماندوز بالزي العسكري، داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وبدلا من مواجهة قوات الاحتلال بمعارك حقيقية، فقد انسحب معظم مقاتلو حماس إلى قواعدهم ومراكزهم العسكرية، وصدّت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأكثر عددا وتكنولوجيا، من خلال هجمات مفاجئة ومجموعات صغيرة من المقاتلين، كما يؤكد التقرير نفسه.
وأردف بأنه من تحت الأرض كان “جيش الأشباح” التابع لحماس يخرج بسرعة، ويستهدف جنود الاحتلال الإسرائيلي بالقذائف الصاروخية، والعودة بسرعة إلى شبكة الأنفاق المحصنة. وفي أحيان أخرى يختبئون في المناطق التي هجرها السكان بعد تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلية وتركتها لاحقا.
ورغم الدمار، فإن حماس استطاعت تحقيق عدد من أهدافها، إذ شوّهت الحرب صورة دولة الاحتلال الإسرائيلي حول العالم، ووجّهت لها اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، كما فاقمت من الانقسام داخل مجتمع الاحتلال الإسرائيلي، وزادت من الخلافات حول إن كانت هناك إمكانية لهزيمة حماس.
وأعادت فكرة الدولة الفلسطينية إلى الخطاب العالمي، ودفعت عددا من الدول للاعتراف بها. وأدّت الحرب أيضا لنجاة عقيدة حماس. فيما لا يزال زعيم حماس، وهو يحيى السنوار، على قيد الحياة، إلى جانب القيادات الرئيسية.
وأوضح التقرير أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تزعم أنها قتلت أكثر من 14,000 من مقاتلي حماس البالغ عددهم 25,000 مقاتل، وهو رقم لم يتم التثبّت من صحته ومحلّ خلاف، ولو كان صحيحا فإنه يعني وجود الآلاف من المقاتلين على قيد الحياة.
وكشفت الصحيفة، في تحليل لأشرطة فيديو بّثها الجناح العسكري لحماس، إلى جانب مقابلة مع ثلاثة من عناصرها، وعدد من جنود الاحتلال الإسرائيليين، أن حماس تعتمد في استراتيجيتها على استخدام شبكة الأنفاق الممتدة على طول مئات الأميال، التي فاجأت القادة الإسرائيليين، والتحرك بحرية حول غزة دون أن يراهم الجنود الإسرائيليين.
وزعمت الصحيفة أن حماس تعمل على نصب كمائن لقوات الاحتلال الإسرائيلية، والهجوم عليها بأعداد قليلة من المقاتلين الذين تزيوا بالزي المدني. وكذا وضع علامات سرّية على البيوت، مثل شريط أحمر معلق من النافذة أو كتابة جدارية، لكي تعطي إشارة للمقاتلين أن هناك لغما أو كمية من السلاح أو مدخل نفق. كما نجحت حماس بإطالة أمد الحرب حتى تورط دولة الاحتلال الإسرائيلي في حرب استنزاف طويلة.
ونقلت الصحيفة، عن صلاح الدين العواودة، وهو عضو حماس والمقاتل، الذي يعمل حاليا محللا سياسيا، أن “الهدف هو الاختفاء، وتجنّب المواجهة المباشرة، وشن هجمات تكتيكية ضد جيش الاحتلال، والتحلي بالصبر”. مضيفا أن “كتائب القسام عملت قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر كجيش بقواعد تدريب ومخازن، لكنهم يتصرفون في أثناء الحرب كمقاتلين”.
وبحسب الصحيفة البريطانية ذاتها، فإن حماس، في بداية الحرب، شّنت وحلفاؤها وابلا من الصواريخ، منها 3,000 صاروخ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مستخدمة منصات إطلاق مخفية في المناطق المدنية، إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي سيطرت على المنصات، وأوقفت إطلاق الصواريخ. وبعد الغزو أمعنت حماس في تحويل المناطق المدنية إلى محاور حرب. ويبرّر المسؤولون الإسرائيليون قرارهم بضربها وقتل المزيد من المدنيين بناء على هذا الزعم.
ورفض أحد مسؤولي حماس البارزين في قطر، وهو موسى أبو مرزوق، أن تكون حماس قد استخدمت المناطق المدنية لتخزين الأسلحة في البيوت، قائلا إن هذا الكلام يحرّف النظر عما ترتكبه دولة الاحتلال الإسرائيلي من جرائم. موضّحا: “لو وجد شخص أخرج سلاحه من تحت سريره، فهل هذا مبرر لقتل 100,000 شخص؟ ولو كان هناك شخص يخرج سلاحه من تحت السرير، فهل هذا مبرر لقتل مدرسة بأكملها أو تدمير مستشفى؟”.
إلى ذلك، أفادت الصحيفة بأن أفرادا من حماس دافعوا عن القتال في المناطق المدنية، نظرا لعدم وجود خيار. فيما قال العواودة إن “حروب التمرد من فيتنام إلى أفغانستان قاتل فيها الناس من بيوتهم، ولو عشت في حي الزيتون، مثلا، وجاء الجيش فسوف أقاتل من هناك ومن داخل بيتي أو الحي أو من داخل المسجد، وسوف أقاتلهم من حيث وجدت”.
وأضاف أن “ارتداء مقاتلي حماس الزي المدني هو عمل شرعي، لتجنّب تعرف الجنود عليهم، وهذا أمر طبيعي لحركة المقاومة، ولا شيء غير عادي بشأنه”.
وتابعت الصحيفة، بأن طريقة رد حماس على عدوان الاحتلال الإسرائيلي أصبحت نموذجا على استراتيجيتها. ففي يوم الجمعة، وعندما تقدمت الدبابات الإسرائيلية وفرق المشاة داخل غزة في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، لم تلق أي مواجهة تذكر ولعدة أميال، حسب أربعة جنود.
وأبرزت الصحيفة أنه في يوم الجمعة تلك، قام الجنود بهدم مواقع رقابة لحماس تبعد عدة أمتار عن الحدود، ولم يكن فيها أحد. وقال ليور سوهارين، جندي الاحتياط الذي ساهم في تدمير هذه النقاط : “لقد تعلمنا لاحقا أنهم كانوا هناك، ولكن تحت الأرض”؛ مضيفا أنه بعد انسحابهم للأنفاق تخلّى المقاتلون عن مساحات من الأرض، وهذا لأن جيش الاحتلال الإسرائيلي تحرّك في طريق لم تزرع فيه حماس ألغاما، وذلك حسب ضابط صغير في حماس ترك القطاع قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وظل على تواصل مع المقاتلين التابعين له.
وأضافت: ولأن استراتيجية حماس هي مهاجمة قوات الاحتلال الإسرائيلية بعد تقدّمها وليس التصدّي لها مباشرة، حسب قول المقاتل. بينما كشفت أشرطة فيديو بثّتها حماس على مواقع التواصل الاجتماعي، الكيفية التي ظهر فيها مقاتلو حماس من الأنفاق واندفاعهم نحو الدّبابات أو عربات الجنود وهم يطلقون المقذوفات الصاروخية عليها، أو قنص الجنود من بنادق القنص.
وقال ضابط حماس، إن “الحركة تحضّر لهذه اللحظة منذ عام 2021 عندما خفّضت إنتاج الصواريخ بعيدة المدى وزادت من إنتاج المتفجرات والصواريخ المضادة للدبابات. ووسّعت من شبكة الأنفاق، وأنشأت نقاط دخول وخروج في البيت، بحيث لا يتم الكشف عن المقاتلين من الجو”.
وتابع: “زودت بشبكة هواتف أرضية لم تكن دولة الاحتلال الإسرائيلي قادرة على مراقبتها، حتى في أثناء قطع التغطية على شبكة الهواتف المحمولة، التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي”، مبرزا أن “حماس كان لديها مع بداية الحرب ترسانة كافية من الأسلحة لمواصلة الحرب عدة أشهر، وكذا طعام معلب ومياه شرب وتمور تغطي 10 أشهر على الأقل”.
وأوضح: “امتدّت شبكة الأنفاق تحت الطرق الرئيسية والمنشآت المدنية، وبعد تسعة أشهر يقول الإسرائيليون إنهم لم يكتشفوا إلا جزءا صغيرا منها، ما أبطأ جهودهم لتدمير الحركة. وتلقّت وحدات الكوماندوز التابعة لحماس تدريبات لكي تظل متأهبة ومركزة في أثناء نقص الطعام والماء”، مشيرا إلى أن “مقاتلي حماس طلب منهم قبل الحرب الاكتفاء بحبّات قليلة من التمر يوميا، والجلوس لعدة ساعات دون حركة، حتى مع محاولة المدرب رش الماء على وجوههم لحرف انتباههم. ومع فراغ منازل بسبب الحرب، بدأ المقاتلون بتفخيخها، حيث توقعوا دخول قوات الاحتلال الإسرائيلية إليها”.
واسترسل: “ربطت الألغام بأسلاك تعثر وجهاز استشعار وكاشف صوتي يفجر المتفجرات حالة تحفيزها. وفي أحسن الحالات يقوم مقاتلو حماس بجر الجنود إلى مناطق، وإشعارهم بالأمن لساعات وأيام. ويقول مقاتلو حماس وجنود الاحتلال الإسرائيليين، إن حماس تتابع حركة الجنود من خلال كاميرات مخفية، ومسيرات ومعلومات يقدمها مدنيون يراقبون المكان”.
وأردف بأنه تظل فرقة حماس مخفية لحين تقدم قوات الاحتلال الإسرائيلية عدّة أميال، أو تجمع القوات الإسرائيلية في مكان ولعدة ساعات، بشكل منحهم الأمن، وأن حماس لم تعد موجودة. وبعد فترة هدوء تخرج فرقة الكمائن من تحت الأرض، ومكونة من 4 جنود في العادة. يقوم اثنان منهم بوضع المتفجرات على جانبي العربة وإطلاق النار، وثالث يحمل الكاميرا لتصوير العملية، أما الرابع فيقوم بتحضير مفخّخة جاهزة للتفجير عند عودة الثلاثة وتترك عند مدخل النفق.
وحتى مع زعم دولة الاحتلال الإسرائيلي أنّها هزمت حماس، إلاّ أنها عادت بعد أسابيع، وحتى أشهر، لمواصلة القتال ضد المقاتلين الناجين من مراحل الحرب الأولى. ويقول أندرياس كريغ، وهو الخبير في استراتيجية الحرب بكينغز كوليح في لندن، “إنه بالنسبة لحماس، فالأمر له علاقة بتجنب الخسائر قدر الإمكان، ومواصلة القتال ليوم آخر، وهم لم يُهزموا بعد”.