يرى عدد من الخبراء والباحثين من مختلف المشارب أن ما يجري من إبادة وكوارث مرعبة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، ما هو إلا نتيجة لفشل أمريكي ذريع ومتراكم في التعامل مع هذا الصراع.
مثل هذه الآراء تتردد بقوة في كل مرة ينفجر فيها الصراع وخاصة حول غزة، مع دأب إسرائيل على استخدام القوة بطريقة دموية مدمرة ومن دون ضوابط وبحرية كاملة، ما يعكس من حيث الجوهر حالة من اليأس من حدوث تغير جدري في هذا المسار.
وفي الظروف الحالية، لا يغير من الأمر حديث الولايات المتحدة مؤخرا ومجددا عن الدولة الفلسطينية وعدم وجود طريقة بديلة لما أسمته “حل التحديات التي تواجه إسرائيل على المدى الطويل والقصير من دون دولة فلسطينية، ومن بعدها تكرار بروكسل للموقف ذاته.
لا شيء يتغير حتى مع انفعال مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي وقوله متحدثا عن الإسرائيليين: “ما هي الحلول الأخرى التي يفكّرون فيها؟ دفع جميع الفلسطينيين للمغادرة؟ قتلهم؟”.
في هذا السياق، تكتب أرهاما صديقة، الباحثة في معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام أباد، تحت عنوان “نفاق الولايات المتحدة يؤدي إلى فشل غربي مستمر في حل الأزمة الفلسطينية”، قائلة إن “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يمتد لأكثر من سبعة عقود، يمثل مثالا قويا على الإخفاقات المستمرة للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، في تسهيل التوصل إلى حل عادل ودائم”.
الخبيرة تلفت إلى أن العالم في شهر أكتوبر 2023، شعر “بالفزع من أعمال العنف غير المسبوقة التي دفعت إلى التفكير النقدي في فعالية القانون الدولي، والخلفية التاريخية للاستعمار، وتداعيات الخسائر البشرية الهائلة في صفوف المدنيين التي كانت وسائل الإعلام الغربية تصفها بأنها إبادة جماعية”.
أرهاما صديقة تذكر أن الولايات المتحدة أظهرت “باستمرار موقفا مؤيدا لإسرائيل، وفشلت في العمل كوسيط محايد فيما يسمى “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. هذا النهج يتجاهل الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ويشبه المعاملة التاريخية للأمريكيين الأصليين من قبل المستوطنين الأوروبيين الأوائل”.
الباحثة ذاتها تضرب مثلا من التاريخ، وتجد تشابها بين “وعد بلفور عام 1917 والفشل المعاصر لمقاربة أمريكا تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن وعد بلفور، الذي أصدرته الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى، يجسد بشكل صارخ الفشل الغربي المستمر في معالجة القضية الفلسطينية، حيث يكمن قصوره الصارخ في إهمال أصوات السكان الأصليين”.
بنفس المنوال “فإن نهج أمريكا في التعامل مع الصراع، المتجذر في الاعتقاد بأن القوة الصلبة قادرة على إخماد المظالم المشروعة، قد نقل رسائل عكسية، مما أدى إلى تفاقم العنف ضد الفلسطينيين. يستمر هذا النمط في الوقت الذي تدعم فيه واشنطن مشروع الاستيطان الإسرائيلي، مما يحافظ على تصور الاستعمار الدائم”.
الخبيرة الباكستانية تتطرق بهذا الشأن إلى مسألة هامة، مشيرة إلى صعوبة التخيل بشكل متزايد “أن يأخذ الجنوب العالمي خطاب الإدارة الأمريكية بشأن حقوق الإنسان على محمل الجد”، مشيرة في نفس الوقت إلى “أن النفاق الصارخ للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين يدعمون إسرائيل بشكل أعمى فيما تقيد المساعدات والمياه والغذاء لسكان غزة المحاصرين والهجمات على مستشفيات ومدارس غزة، لن يمر دون أن يلاحظه أحد”.
أرهاما صديقة تلفت أيضا إلى أن “الفشل الغربي الكبير، الذي تقوده الولايات المتحدة في المقام الأول، واضح في القانون الدولي. استخدمت الولايات المتحدة باستمرار حق النقض لمنع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. منذ عام 1945، تم استخدام حق النقض ضد 36 مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي تتناول هذا الصراع، وكانت الولايات المتحدة مسؤولة عن 34 فيتو، بينما استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد اثنين. تهدف هذه القرارات إلى وضع إطار للسلام، بما في ذلك دعوات إسرائيل للالتزام بالقوانين الدولية، ودعم تقرير المصير الفلسطيني، وإدانة الأعمال الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
أما جون هوفمان، محلل السياسة الخارجية في معهد كاتو بالولايات المتحدة، فيشدد على ضرورة أن “تواجه واشنطن الواقع: لقد فشلت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، في حين “تجسد حرب إسرائيل في غزة العنف الذي يمارس على القيم الأمريكية المعلنة بينما تعرض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط للخطر. سوف يستغرق إصلاح الدمار الذي أحدثته هذه الحرب أجيالا، وقد شوهت صورة واشنطن العالمية بشكل دائم بسبب دعمها لمثل هذه الأعمال”.
هوفان يكتب أيضا أن إسرائيل كانت تعهدت “في الأيام التالية مباشرة لهجمات 7 أكتوبر، بتدمير حماس مع الاعتراف بأنه على الرغم من أن القوات كانت (توازن بين الدقة ونطاق الضرر، فإننا نركز الآن على ما يسبب أقصى قدر من الضرر)، لا يبدو أن التركيز قد تغير كثيرا منذ ذلك الحين حيث اتخذ الجيش الإسرائيلي ما يعتبره بعض منتقدي الحملة عقابا جماعيا، حيث قتل المدنيون الفلسطينيون بأسلحة أمريكية الصنع. ووفقا للسلطات الصحية في غزة التي تسيطر عليها حماس، فإن ما يقدر بنحو 70 في المائة من الفلسطينيين الذين قتلوا على يد إسرائيل هم من النساء والأطفال. وقد نزح ما يقرب من 1.9 مليون شخص—أكثر من 90 في المائة من سكان غزة—بسبب الحرب، وتم تدمير أو إتلاف أكثر من 45 في المائة من إجمالي المساكن في غزة بحلول منتصف نوفمبر، وفقا لحسابات الأمم المتحدة استنادا إلى الأرقام التي أبلغت عنها حكومة غزة التي تسيطر عليها حماس”.
الخلاصة التي يصل إليها هذا الباحث الأمريكي في مجال السياسة الخارجية مفادها أن واشنطن على ما يبدو “إما غير قادرة أو غير راغبة في الاستفادة مما يسمى بعلاقتها الخاصة مع إسرائيل أو التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي غالبا ما يتباهى بقدرته على التلاعب بالولايات المتحدة. وبدلا من ذلك، واصلت واشنطن نهجها في التعامل مع إسرائيل، حيث قدمت مؤخرا أكثر من 14 مليار دولار كمساعدات عسكرية في حزمة تمت الموافقة عليها في نوفمبر، وخاطرت بتصعيد كبير في العملية”.