السياسي – قال الخبير القانوني في مجال حقوق الإنسان جينتيان زيبيري، إن دعم الدول الغربية لإسرائيل يتجاوز التسليح إلى “التواطؤ” في حربها المتواصلة على قطاع غزة، مؤكدا أن تزويد تل أبيب بالأسلحة “غير شرعي وفق القانون الدولي”.
جاء ذلك في مقابلة مع زيبيري، أستاذ القانون الدولي في المركز النرويجي لحقوق الإنسان بجامعة أوسلو، بينما يتواصل الدعم الغربي لإسرائيل في حربها على غزة، والتي شارفت على إنهاء عامها الأول، مخلفة إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
وفي أحدث تقرير بهذا الشأن، أقرت الولايات المتحدة الخميس، بيعها لإسرائيل “مقطورات دبابات” ثقيلة ومعدات ذات صلة لاستخدامها في المجال العسكري بقيمة 164.6 مليون دولار، وفق بيان “وكالة التعاون الأمني الدفاعي” الأمريكية.
كما وافقت وزارة الدفاع الأمريكية، منتصف أغسطس/ آب الماضي، على بيع أسلحة لإسرائيل ضمن صفقة قيمتها 20 مليار دولار، تشمل مقاتلات “إف 15” ومركبات مدرعة وقذائف دبابات وصواريخ جو ـ جو، وفق صحيفة “هآرتس” العبرية.
وتعتبر ألمانيا ثاني أكبر مزود أسلحة لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، ورغم انخفاض مبيعات الأسلحة قليلا فإنها لا تزال مستمرة حتى في ظل محاكمة إسرائيل دوليا بتهمة ارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في غزة.
** تواطؤ غربي
وقال زيبيري إن “الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تقدمه الدول الغربية الحليفة لإسرائيل، والذي يسمح لها بمواصلة حربها واحتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية، يتجاوز مبيعات الأسلحة، ويندرج أيضا تحت مسمى التواطؤ”.
وأشار إلى أن “الرعاة الرئيسيين لإسرائيل هم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وهولندا وإيطاليا وكندا، وبعض الدول الغربية الأخرى (لم يسمها)”.
وبشأن الدعم المقدم لتل أبيب، أوضح الأكاديمي أن “تلك الدول قدمت معظم الأسلحة والغطاء السياسي لإسرائيل في المحافل الأممية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فيما قدمت دول أخرى وقودا ومواد سمحت لإسرائيل بمواصلة حربها على غزة”.
وبرهن على عدم شرعية نقل الأسلحة إلى إسرائيل بثلاثة أمور، أولها أن “احترام جميع الدول لاتفاقيات جنيف عام 1949 وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين أمر واجب”.
والأمر الثاني، وفق الخبير القانوني، يتعلق بكون “اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تتطلب من الدول الأطراف منع الإبادة الجماعية”.
أما الثالث فهو أن “معاهدة تجارة الأسلحة لعام 2013 تتناول صراحة الحظر المفروض على عمليات نقل الأسلحة، حال علمت الدولة المرسلة أنها ستستخدم في ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب”.
الأسباب التي ذكرها الأكاديمي تدحض جملة وتفصيلا ما قاله محامو ألمانيا أمام جلسة محكمة العدل الدولية في 9 أبريل/ نيسان الماضي، حين دافعوا عن تسليح برلين لإسرائيل، زاعمين أنه يتماشى مع قواعد القانون الدولي.
** أخطر الجرائم
وتعقيبا على تلك الأسباب، قال زيبيري إن “الهجمات العشوائية التي تشنها إسرائيل على غزة قتلت عشرات آلاف الفلسطينيين، في حين دفع الحصار الخانق المفروض على القطاع منذ 18 عاما نحو مليوني شخص إلى المجاعة والموت، من خلال حرمانهم الغذاء والماء والمأوى والرعاية الطبية”.
وشدد على أن “الجرائم الإسرائيلية المرتكبة ضد الفلسطينيين يمكن تصنيفها إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي أخطر الجرائم المعترف بها دوليا”.
وفي معرض تأكيده أهمية التعامل مع المحاكم الدولية من أجل القضية الفلسطينية، قال زيبيري إنها “توضح التزامات القانون الدولي بطريقة موثوقة”.
وبشأن الرأي الاستشاري الذي أصدرته العدل الدولية في يوليو/ تموز الماضي، قال زيبيري إن “المحكمة أعلنت أن إسرائيل ملزمة بوقف جميع أنشطة الاستيطان الجديدة، فضلا عن إخلاء المستوطنات القائمة”.
وأوضح أن “جميع الدول والمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بالوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
وفي رأيها الاستشاري حينها، شددت محكمة العدل الدولية على أن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير، وأنه يجب إخلاء المستوطنات الإسرائيلية القائمة على الأراضي المحتلة.
ووصف الخبير القانوني دعوى “الإبادة الجماعية” التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بأنها “مهمة لأنها تتناول الوضع في غزة وحماية الفلسطينيين من سلوك الحكومة الإسرائيلية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948”.
** إدانات فارغة
وتعقيبا على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، قال زيبيري إن “هذه الخطوة تؤكد أن جرائم حرب ارتكبت في غزة، ويجب محاسبة المسؤولين عنها”.
الأكاديمي اعتبر أن “الهجوم الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية المحتلة، كشف النفاق الذي ينطوي عليه النظام العالمي القائم على القواعد، وذلك من خلال استخدام قواعد خاصة استنادا إلى الطرف المتلقي”.
وأوضح زيبيري أن “العالم لاحظ دعم واشنطن للفظائع التي ترتكبها إسرائيل في القطاع، من خلال تزويدها بالسلاح والدعم السياسي”.
واستدل على ذلك بقوله: “حتى عندما أعلنت واشنطن خطوطا حمراء مثل الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح جنوبي القطاع، أو خطة وقف إطلاق النار في يونيو/ حزيران 2024، تراجعت عنها ببطء، رغم وجود عواقب كارثية”.
وأكد الخبير القانوني أن “الإدانة الفارغة لن يكون لها أي تأثير على إسرائيل، والدليل على ذلك أنها كثفت هجماتها على غزة والضفة”.
وطالب جميع الدول بأن “تأخذ التزاماتها القانونية الدولية على محمل الجد، وبدل تقديم مزيد من الأسلحة لإسرائيل، يجب عليها الضغط لوقف إطلاق النار الفوري في غزة”.
واختتم زيبيري حديثه بالقول إن “العقوبات الاقتصادية إلى جانب الضغط الدبلوماسي، ضرورية لحمل إسرائيل على وقف الإبادة الجماعية في غزة”.
الخبير القانوني طالب أيضا بـ “ضمان مساءلة إسرائيل عن الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وتقديم التعويضات لهم”.
وبموازاة حربه على غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وسّع الجيش الإسرائيلي عملياته بالضفة، بينما صّعد المستوطنون اعتداءاتهم على الفلسطينيين وممتلكاتهم، ما أسفر عن 703 شهيد فلسطيني حتى مساء الجمعة، بينهم 159 طفلا، بجانب 5 آلاف و700 مصاب، وأكثر من 10 آلاف و400 معتقل، وفق مؤسسات رسمية فلسطينية.
بينما أسفرت حرب إسرائيل بدعم أمريكي على غزة عن أكثر من 41 شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال.