دكان الأفكار «الإرهابية».. رحلة إلى عقل التطرف

د. علي محمد العامري

في زاوية مظلمة من المدينة، يوجد دكان لا يبيع سوى الأفكار المميتة. ذهب فتى ذات يوم ليشتري أفكارًا إرهابية من هذا الدكان.

 

دخل وقال لصاحب الدكان: “ما لديك من أفكار إرهابية للبيع؟” أجابه البائع بابتسامة ماكرة: “عندي فكر داعشي، فكر قاعدي، فكر ولائي، فكر طالباني، وفكر صهيوني.. اختر ما يناسبك”.

استفسر المشتري: “وماذا عن ذلك الفكر المغلف؟” قال له البائع بلهجة متآمرة: “هذا فكر غالٍ وثمين، إنه فكر إخونجي. هذا الفكر هو المحرك الرئيسي لهؤلاء، يجعل الداعشي والقاعدي يفجران نفسيهما بينما هو يجلس في بيته يحرضهما. إنه الفكر الذي يعادي إيران وإسرائيل وأمريكا في العلن، ويتفق معهم في السر. هو الفكر الذي ينتظر ثورة الشباب ثم يستغلها لنفسه ويقول إنها ثورته. يتحدث كثيراً عن الديمقراطية وعندما يصل للحكم يلغي كل ما يتعلق بها. عندهم الإسلام حزب لا عقيدة، ولهم بيعة غير بيعة ولي الأمر، هم تنظيم سري وخوارج هذا العصر. يقولون إنهم ليسوا إرهابيين، لكن جميع التنظيمات الإرهابية وُلدت من رحم أفكارهم. إنه أخبث فكر عندي، فهو صناعة مستوردة إنجليزية فاخرة ولذلك سعره غالٍ”.

رجع المشتري وهو يضرب كفًا على كف وقد أدهشه هول الأفكار وفظاعتها، قائلا: “حسبنا الله ونعم الوكيل، تبت إلى الله من هذه الأفكار الشريرة. لن أشتري.. لن أشتري.. لن أشتري”.

شاهد أحد الصالحين حالة هذا الفتى وهو يضرب كفيه، فقال له: “ما بك يا فتى؟” رد الفتى: “يا سيدي، لعب بي الشيطان كي أشتري فكرة إرهابية بعد أن ضاقت بي الحياة، وبعد أن سمعت بأفكارهم الشريرة عند البائع ندمت!”.

قال له الرجل الصالح: “يا بني، اسمع مني جيداً.. الدين وسيلة كي يصبح المرء شخصاً أفضل، وليس وسيلة كي يصبح المرء شريراً لعاناً ومخربًا وقاتلاً وإرهابياً. يا بني، تسميم العقول أشد فتكاً من تسميم البطون. مقاومة الأفكار السامة تكون بالأفكار النافعة. ماذا قدموا من نموذج صالح حتى نقتدي بأفكارهم؟ لا شيء سوى الخراب والدمار والموت. يا بني، احذر أن تشتري أفكارهم. منذ ظهور الإسلام ظهر الخوارج، وهؤلاء خوارج عصرنا. ودائماً يخسر الشر ولو طال الزمن، حتى لو افتكر أنه انتصر!”.

في الختام، يجب تأكيد أن الدين كوسيلة لتطوير الذات والإحسان للآخرين، يتم تشويهه من قبل هؤلاء الذين يستغلونه لتحقيق أهدافهم الشخصية والسياسية. الأفكار الإرهابية ليست سوى سموم عقلية تنتشر لتدمر الأفراد والمجتمعات. مقاومة هذه الأفكار تبدأ بالوعي والتعليم ونشر الأفكار النافعة والإيجابية.

الدين الحق يدعو إلى السلام والمحبة والتعايش، ولا يمكن أن يكون وسيلة لنشر العنف والكراهية. إن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع للتصدي لهذه الأفكار الهدامة ونشر قيم التسامح والاعتدال. إن تمكين الشباب وتوعيتهم بأهمية التفكير النقدي والتعليم يمكن أن يكون له دور كبير في حماية المجتمع من الانزلاق في مستنقع التطرف.

كما أن دعم المؤسسات الدينية المعتدلة والمفكرين الذين يدعون إلى الوسطية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في مواجهة التطرف. في النهاية، لا بد أن نتذكر أن الأفكار لها تأثير عظيم، ويمكنها أن تبني المجتمعات أو تدمرها، ولذلك علينا أن نكون حذرين في اختيار الأفكار التي نتبناها ونتبعها.