السياسي -وكالات
تتحدى دول مثل الصين وروسيا النظام العالمي القائم في سياق المنافسة بين القوى العظمى، وتتضمن الإجراءات الاستراتيجية الواسعة النطاق التي تتخذها الصين جهداً شاملاً لتتخطى الولايات المتحدة بوصفها القوة العظمى الرائدة في العالم.
وفي هذا الإطار، قالت ليا كيف، زميلة أولى غير مقيمة في مشروع الرخاء والتنمية التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية البحثي الأمريكي، إن هذه المنافسة تؤكد ضرورة إعادة تقييم الولايات المتحدة لاستراتيجياتها في المشاركة العالمية، خاصة نهجها تجاه المساعدات الخارجية. ويمكن للولايات المتحدة من خلال دراسة الاستراتيجية الصينية تعزيز فاعلية مساعداتها الخارجية وضمان تعظيم 1% من ميزانيتها الفيدرالية المخصصة لهذا الغرض.
مواءمة المساعدات مع الأمن القومي
وتمثل “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، التي أُطلقت عام 2013، مثالاً مهماً لكيفية مواءمة الأهداف الاقتصادية مع الطموحات الجيوسياسية، وغالباً ما توصف مبادرة الحزام والطريق بأنها “طريق الحرير” الحديث، وتربط المبادرة السياسة والتجارة والأشخاص والمؤسسات المالية، وكلها عوامل تركز على تطوير البنية التحتية.
ورغم تسويق هذه المبادرة كمبادرة للتجارة والتنمية العالمية، فإنها تفيد الصين في المقام الأول، وغالباً ما تكون على حساب البلدان المضيفة. ويعمل هذا التوافق بين المصالح الاقتصادية والأمن القومي في مبادرة الحزام والطريق كنموذج لكيفية هيكلة الولايات المتحدة لجهودها في مجال المساعدات الخارجية.
وأوضحت الكاتبة في مقالها بموقع “ناشونال إنترست” أنه لكي تظل الولايات المتحدة قادرة على المنافسة في منطقة المحيط الهادئ، فهي بحاجة إلى مواءمة أهدافها الأمنية الوطنية والاقتصادية والإنسانية، مؤكدة ضرورة تطور إطار التنمية الحالي في الولايات المتحدة لضمان تحقيق هذه الأهداف في وقت واحد، مع الاستفادة من نجاحات الصين والالتزام بالقيم الليبرالية.
ومن خلال دمج اعتبارات الأمن القومي في استراتيجية المساعدات الخارجية، تستطيع الولايات المتحدة أن تحمي مصالحها ومصالح حلفائها بشكل أفضل.
إعطاء الأولوية للشركات الأمريكية في عقود التنمية
تتمثل إحدى الاستراتيجيات البارزة التي تنتهجها الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق في استخدامها للشركات الصينية في أغلب مشاريعها التنموية، إذ يتم التعاقد مع شركات صينية على نحو 89% من مشاريع مبادرة الحزام والطريق، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع مشاركة الصين بنسبة 29% في المشاريع الممولة من قِبَل بنوك التنمية المتعددة الأطراف. ولا يفيد هذا النهج اقتصاد الصين فحسب، بل يعزز نفوذها في البلدان المضيفة أيضاً.
وأوضحت الباحثة أنه بوسع الولايات المتحدة التعلم من هذا الأمر عبر اشتراط إنفاق دولارات التنمية في المقام الأول على العقود مع الشركات الأمريكية، بالشراكة مع الشركات المحلية. ولن يفيد مثل هذا النموذج الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل سيعزز أيضاً نمو الشركات الخاصة في البلدان المضيفة.
ومن خلال إعطاء الأولوية للمصالح التجارية الأمريكية بهذه الطريقة، تستطيع الحكومة الأمريكية مضاعفة التأثير الإيجابي لمساعداتها، وضمان خدمة المصالح الأمريكية والمحلية.
تجنب دبلوماسية فخ الديون
واجهت مبادرة الحزام والطريق الصينية انتقادات دولية بسبب نهجها في التعامل مع الديون.
وقد اتهمت العديد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية بخلق أعباء ديون غير مستدامة عمداً على البلدان المضيفة، وهو التكتيك المعروف باسم “دبلوماسية فخ الديون”.
وفي مقابل تخفيف أعباء الديون، أُجبرت دول مثل طاجيكستان ولاوس على التنازل عن السيطرة على أراضيها أو مواردها الطبيعية أو شركاتها المملوكة للدولة لصالح الصين. ولا تعمل هذه الاستراتيجية على تعزيز قبضة الصين الاقتصادية على هذه البلدان فحسب، بل تضمن ولاءها السياسي أيضاً في قضايا مثل بحر الصين الجنوبي أو تايوان.
وبينما تستخدم الولايات المتحدة مساعداتها أيضاً للتأثير في سياسات البلدان المتلقية، يمكنها أن تتعلم من مبادرة الحزام والطريق الصينية مع تجنب ممارساتها القسرية، فيمكن للولايات المتحدة تعزيز نفوذها بطريقة تتماشى مع قيمها وقيم المجتمع الدولي من خلال ضمان أن المساعدات الأمريكية تعزز الاستقرار الاقتصادي ولا تؤدي إلى ديون غير مستدامة.
دمج الأمن في مشاريع التنمية
وقالت الكاتبة: “يتمثل أحد الدروس الرئيسية من مبادرة الحزام والطريق الصينية في أهمية دمج الأمن في جهود التنمية. غالباً ما تربط الصين استثماراتها بالظروف الأمنية، مما يضمن سلامة موظفيها ومشاريعها. يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى نهجاً مماثلاً، مما يتطلب من البلدان المضيفة توفير الأمن لمشاريع المساعدات والعمال. ولن يحمي هذا المصالح الأمريكية فحسب، بل يضمن أيضاً أن تعكس مشاريع المساعدات أولويات المجتمعات المحلية”.
بالإضافة إلى ذلك، شددت الكاتبة على ضرورة أن تولي الولايات المتحدة اهتماماً وثيقاً بالبنية التحتية التكنولوجية المستخدمة في مشاريع التنمية، مشيراً إلى أن تصدير الصين لتكنولوجيا التعرف على الوجه والبنية التحتية السيبرانية من خلال مبادرة الحزام والطريق يشكل مخاطر كبيرة على الخصوصية والأمن.
ولمواجهة هذا، تؤكد الكاتبة ضرورة أن تضع مبادرات التنمية الأمريكية معايير للبنية التحتية المادية والسيبرانية التي تتوافق مع قدرات البلدان المضيفة، مع تثقيف الشركاء حول أهمية هذه المعايير.نهج متوازن للتنمية
وغالباً ما تُوجه سهام النقد إلى استراتيجيات التنمية الصينية لتجاهلها للأهداف الإنسانية وحقوق الإنسان، ولكنها ليست قسرية بالكامل. بالمثل، فإن جهود التنمية الأمريكية ليست تعاونية بحتة. وتستخدم كلتا الدولتين مزيجاً من الحوافز والعقوبات لتحقيق أهدافهما.
ولفت الكاتب النظر إلى أنه من خلال تبني أفضل الممارسات الصينية، مثل الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وإعطاء الأولوية للشركات المحلية ودمج الاعتبارات الأمنية، يمكن للولايات المتحدة تحسين استراتيجيتها للمساعدات الخارجية والمنافسة بشكل أفضل في مجموعة البنك الدولي، مما يضمن بقاء نفوذها وقيمها قوية على الساحة العالمية.