رغم إجحافهم تمسك اليهود العرب باليمين المتطرف

الإعلامي محمد السيد

الإعلامي محمد السيد
دأب اليهود العرب كما أسلفنا في المقال السابق على التموضع حزبياً دائماً مع الأقوى والمتشدد حِيال العرب، أولاً لأن ثقافتهم عربية تأثرت بالإنسياق خلف القائد، ثانياً لدرءِ اتهامٍ محتملٍ لهم بالتساوق مع العرب، هنا ناصبوا العداء السياسي وغيرهِ للعرب وابتعدوا عنهم كثيرا، خاصةً أمام الرأي العام. المُجاهرةُ بالعداءِ للعرب دفعتهم الى الإحجام عن ذِكرِ أصولهم العربية، فيغضبون عندما تناديهم، مغربي أو عراقي أو يمني علماً انهم جاؤوا من هناك هم أو آبائهم إلا أنهم لا يعتبرون هذه التسمية بطاقةَ دخولٍ الى المجتمع الإسرائيلي، زرت يوماً متحفاً لليهود العراقيين اسمه “تراث يهود بابل” في اور يهودا قرب تل ابيب مع رئيس لجنة التواصل الفلسطينية مع المجتمع الإسرائيلي محمد المدني، وكان الحضور كلهم من الذين تجاوزَ أصغرهم الثمانين، فسألهم المدني عن الشباب، فكان الرد جواباً قاطعاً لكلِ من يسعى للتقرب منهم “الشباب صاروا اسرائيليين”.
بمعنى آخر نحن الجيل القديم نحِنُ الى الماضي والأصول لأننا عشناها، أما الشباب فيمنعهم التمسك بالأصول العراقية من الإنطلاق في المجتمع الإسرائيلي والتحليق في فضائهِ الغربي.

وينسحب ذلك على كافةِ اليهود العرب الذين ينخرطون في الأحزاب والحركات لكنهم لم يقودوها حتى الآن، وإن حصل ذلك فسيكونُ موسمياً أو قصير الأمد، وسيجدُ القائمون عليها انفسهم خارج المعادلة، كما حدث مع الحزب الذي أقامه اسحق مردخاي الذي اختفى هو وحزبه من المشهد السياسي، وحزب دافيد ليفي الذي تلاشى هو ورئيسه وتحاول ابنته السيرَ على دربهِ لكنها تفشلُ وتُجبرُ على العودة للسباحةِ مع التيار .
ولنا في شخصياتٍ كثيرةٍ الأمثلةَ على محاولاتها وتقدمها الى أن تُشارِفَ على الإقتراب تهوي الى القاع. لن نخوضَ في الحديثِ عن رئاسة الوزراء في اسرائيل فهذا المنصب هو الأعلى والذي يقفُ على رأسه تُفتَحُ له كل الأبواب التي تقود الى أدق القضايا حساسيةً كبرامج الموساد والشاباك وغيرها من الأجهزةِ الأمنية، وهذا يؤكد أن ثقةَ الدولة العميقة باليهود العرب ضعيفة لذا من الصعب أن يصل أحدٌ منهم الى هذا المنصب الحساس، وبالمقابل تم تعويضهم عن ذلك بمناصبَ فخريةٍ أبرزها رئاسة الدولة، وهو منصبٌ لا تأثير له في رسم السياسات، ومع ذلك لم يتقلدهُ يهوديٌ عربي، لكن وصل اليه يهودي إيراني “موشي كتساف” لكنه سرعان ما واجه تهماً خطيرةً قادتهُ الى السجن لسنوات . حاول اليهودي العراقي بنيامين بن اليعيزر التنافسَ على هذا المنصب إلا أنه وجد نفسهُ أمام قضايا كانت ستقودهُ حتماً الى السجن، لولا وفاتهِ قبل ذلك. وتجرأ اليهودي المغربي دافيد ليفي وحاول التجربة ليتقلدَ هذا المنصب، إلا أن الغموضَ لف محاولته وصَمتَ فجأةً صمت القبور .
مُعظم اليهود العرب إذاً في يمين الخارطة السياسية في اسرائيل، لكن المُلفت أن يهود اليمن هم الأكثرُ تطرفاً، ربما بسبب ملامحهم العربية التي يحاولون إخفائها، حيث يحاولون الولوج في المجتمع بالمواقف المتشددةِ حيال العرب وباعتمارِ القبعةِ الدينيةِ الصغيرة لتميزهم عن العرب.
وكلُ من تابع ذلك اليهودي اليمني الذي لبِسَ قميصاً كُتِبَ عليه “أنا لستُ عربياً” وتجول به في الشوارع يُدرِكُ كم هؤلاء يعانون من التمييز رغم مبالغتهم في معاداةِ العرب. لم يتبوأ أحدٌ منهم منصباً رفيعاً إلاقلة مثل يسرائيل كيسار الذي شغِلَ منصب سكرتير عام نقابات العمال العامة “الهستدروت”، وحصل بعضهم على وزارات مثل ابيقدور كهلاني، لكن لم يتمكنوا من وصول القمة إن لم نقُل أنهم حتى لم يحاولوا . يهود اليمن الذين تحركوا مطالبين بالكشف عن أطفالهم الذين اختفوا في السنوات الأولى لوصولهم الى اسرائيل وتم استخدامهم لتجاربَ طبيةٍ، تم إسكاتهم وتناست هذه القضية إلا أنها بقيت حاضرة عند بعضهم، ومن تحرك منهم لإبرازها من جديد يصمتُ تماماً وتتناسى قضيتهم من جديد. وربما كانت حادثة إغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين أكبر شاهدٍ على الدونيةِ التي يعيشها يهود اليمن، وعلى محاولاتهم لإثبات الولاء .
مقتلُ رابين على يدِ اليهودي العربي اليمني يقئال عمير كانت مفاجأةً للرأي العام الإسرائيلي، لكنها لم تكن كذلك بالنسبةِ لبعضِ صناع القرار وربما حتى أجهزةٍ أمنيةٍ، اكتنفَ الغموضُ فشلها في حمايةِ رأس الهرم في اسرائيل.
كاتب فلسطيني

شاهد أيضاً