تجاوز الشعب الإيراني الشهر الرابع من انتفاضته، ويُجمع الرأي العام على زوال الدكتاتورية الدينية الحاكمة لإيران! والآن وفي مسارات التقدم الشعبية تدور أحاديث اليوم الساخنة .. أحاديث حول “البديل” للدكتاتورية الحاكمة، ولكن على الرغم من هذا “التطور المهم” إلا أنه لا يزال هناك بضع كلمات متبقية ومن الضروري التأمل والتدبر فيها، ذلك لأن المرحلة الثانية أي مرحلة “البديل” ستؤتي ثمارها وتتلقى استجابة عند سد “الثغرات” المتعلقة بإسقاط الدكتاتور وتَسُد أي طريقٍ للعودة إلى الدكتاتورية.
لن تستسلم دكتاتورية ولاية الفقيه الدينية لـ “الإطاحة” بسهولة فحسب بل لن تتخلى عن أي مؤامرة من أجل بقائها وذلك نظرا لسجلها الأسود فيما يتعلق بحقوق الشعب الإيراني، وستحول دون دخول انتفاضة الشعب إلى المرحلة الثانية “بأقنعة” مختلفة وبالخداع والترغيب والتهديد.
“دعاة “الإصلاح” و “المعارضة” من الأقنعة التي ارتداها ولا يزال يرتديها الدكتاتور، وأحدهما من “داخل السلطة” والآخر من “خارج السلطة”، هذا وتسعى الدكتاتورية الحاكمة بالإضافة إلى القمع والقتل داخل إيران إلى تعكير المياه بالأقنعة وفصل “الرأس” عن “الجسد” والمحاولة من خلال ممارسات الشيطنة والخداع تشويه صورة قوى المعارضة الأصلية والتي هي الأصل الرئيسي لـ “البديل الديمقراطي” والدفع به إلى الحواشي!
في الانتفاضة الشعبية عام 2017 أُزيل قناع “الإصلاح” عن وجه الدكتاتور الحاكم وأُجبِرَ على إجلاس “إبراهيم رئيسي” في مقعده برئاسة الجمهورية، وفي الانتفاضة الشعبية 2019 سقط قناع آخر من على وجه الدكتاتور، ومن جانب جماهير الشعب الإيراني المنتفضة أصبح أمر البدائل الصنيعة من قبل القوى الأجنبية من “تيارات معارضة الدكتاتورية الحاكمة” لا سيما بقايا محمد رضا بهلوي دكتاتورية المُطاح بها مشينا ومخزيا، ذلك لأنه وفقا للعديد من المعلومات والأخبار التي لا يمكن إنكارها هناك قاسم مشترك بين كلا النوعين الدكتاتوريين وهو انتهاك الحريات، وانتهاك حقوق الشعب الإيراني، ونتيجة لذلك كان النهب والإجرام ضد الشعب الإيراني.
إنها تجربة مؤلمة حيث أنه الآن ومن أجل الإطاحة بالدكتاتورية الدينية الحاكمة يجب على الشعب الإيراني أيضا أن يضع الدكتاتورية السابقة في مزبلة التاريخ، وبالتوازي مع المعركة مع الدكتاتورية الحاكمة يجب أن لا يسمح لفلول الدكتاتورية السابقة بالمجيئ لمساعدة الدكتاتورية الدينية الحاكمة!
كلا التيارين الدكتاتوريين يُظهران بأن على الشعب أن يختار أحد الخيارين إما “الدكتاتورية الشاهنشاهية” أو “الديكتاتورية الدينية”، ومن هذا المنطلق وبجميع أنواع الحيل والأقنعة محاولين جعل المشهد في حالة ضبابية وغموض من خلال تشويه القيم والثقافة الحقيقية للناس وبذلك فإنهم”يبطئون” مسار عملية الانتفاضة، وإذا استطاعوا فإنهم سيقومون بجر الانتفاضة نحو “الانحراف” أو “إطفاء شعلتها” وحرمان الشعب الإيراني من حكومة وطنية شعبية وديمقراطية، وعليه فقد ثبت بالتجربة أن التيارات الدكتاتورية كانت على الدوام مكملة مستقوية بجانب التيارات الاستعمارية!
على الرغم من أن انتفاضة الشعب في بداية الشهر الخامس فإن المشهد الحقيقي في إيران بات أكثر “شفافية” من أي وقت آخر مع إنزواء دكتاتورية الملالي افتضاح أمر القوى الانتهازية إلا أن الوضع السياسي لا يزال “مضطرباً” ومليئا بمختلف موجات الخطط والبرامج التي يمكن إستشعار وقع”خطى أقدام” الدكتاتورية أمامها.
لا شك أن المنظور الأكثر وضوحا يتقدم أمام انتفاضة الشعب الإيراني، وستزول القوى التي ليست من “الشعب” و “من أجله” ، وقد لا تزال هناك على الطريق بعض المشاهد الجديرة بالمشاهدة، وبعضها الآخر أكثر سخفا، لكن الذي سيبقى في النهاية هي القوى الأصيلة القوى الشعبية والديمقراطية، وإن الشعب الإيراني لعازم على إحداث ثورة جذرية في المجتمع ضد الدكتاتورية وسيفعل، وأما القوى قصيرة النظر قصيرة العمر عديمة الجذور فستغادر الميدان! ذلك لأن عصر تحديد القوى والجبهات السياسية في تسارع، ولا شك أن الوقائع والحقائق لن ترحم مثل هذه القوى!
وحقيقة هل يمكن دعوة الناس إلى قلب الدكتاتورية الحاكمة دون “إنكار أي نوع من الدكتاتوريات في الماضي”؟ وهل يمكن ادعاء القيادة السياسية للانتفاضة من دون إمتلاك “تنظيمات” و “هيئة قيادة للانتفاضة الشعبية” و “الحضور في مشهد الانتفاضة” وإبقائها في مأمن من لدغة الدكتاتورية؟ أم أنه من الممكن دعوة الشعب للإطاحة بالدكتاتور دون تاريخ من القتال والنضال والكفاح في مواجهة الدكتاتورية؟
بالطبع لا، ولا يمكن لأي شخص وأي تيار لم يعارض الدكتاتورية نظريا وعمليا في الماضي والحاضر والمستقبل حتى النخاع أن يكون من الشعب ومن أجل الشعب، ولقد ولى عصر ركوب الأمواج والانتهازية ولن يعود الوضع إلى الماضي أبدا، إن التيارات “التي لا جذور لها” و “الانتهازية” و “الحليفة للدكتاتورية” تلك التي تجعل من مشهد الانتفاضة الشعبية ضبابيا ملوثا لصالح الدكتاتورية بإدعاءاتها وشعاراتها المختلفة لن تضع بلسما على جراح الشعب الإيراني العميقة فحسب، لا بل أصبحوا جزء من جراح وآلام الشعب الإيراني!
وبينما كانت دماء أجساد الشعب تتدفق جارية على أرصفة شوارع إيران كانت البدائل المصطنعة والشعارات المنحرفة ومخططات وسائل الإعلام تُستخدم ضد “البديل الشعبي والديمقراطي” وكانت ولا تزال تعمل في خدمة الدكتاتورية، ومن أجل الإفلات من الإطاحة بها تسعى الدكتاتورية الحاكمة لإيران إلى استدراج الآخرين بالترغيب والتهديد وتزوير الحقائق وفرض القيود والرقابة على انتفاضة الشعب لإتخاذ موقف ضد مقاومة الشعب الإيراني الأصلية، ومن حيل الدكتاتورية الحاكمة وعملائها أنها تدعي تحت مسمى “المعارضة” بأن “انتفاضة الشعب تفتقر إلى القيادة” وأن “المنتفضون ينتهجون العنف”، ويتم استبدال مطالب الشعب “مطلب الشعب الرئيسي” وهو إسقاط الدكتاتورية والحيلولة دون وصول الشعب إلى إقامة حكومة وطنية شعبية وديمقراطية.
ومن حسن الحظ أن أصبح الشعب الإيراني الآن واعيا يقظا متأهبا، والأمور على عكس الانتفاضة ضد الشاهنشاهية في عام 1979 وأتاحت لهم الظروف والتجارب معرفة ما يريدون جيدا، ويعرفون ويدركون من أجل ماذا لا يرغبون في مغادرة مشهد أحداث الانتفاضة، وعندما تؤدي الإنتفاضة إلى ثورة فإنه يحل البديل الشرعي والديمقراطي محل الدكتاتورية الحاكمة، وخلافا لهذه الحالة فسيكون الوضع كالانتفاضة ضد الشاهنشاهية عام 1979 حيث يصل أمثال خميني وبسرقة إنجازات انتفاضة الشعب سيفرض دكتاتورية أسوأ على إيران والإيرانيين.
يريد الشعب الإيراني الحرية والديمقراطية وإحقاق حقوق المواطنة، وإحقاق حقوق المرأة والمساواة في الحقوق بين النساء والرجال، وحقوق القوميات، وحقوق الأديان والمذاهب، وفصل الدين عن الحكومة (العلمانية) والتعددية والتعايش السلمي داخل حدود وخارج إيران، وكذلك السلام مع الدول؛ مع دول الجوار بشكل خاص.
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.