مهند طلال الاخرس
كتاب من تأليف: جمال زقوت
يقع على متن 389 صفحة من القطع الكبير وهو من اصدارات مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت سنة 2023.
غزاوي: سردية الشقاء والأمل كتاب سيرة ذاتية للمناضل الفلسطيني جمال زقوت، وتمثل هذه السيرة مروية فلسطينية تسلط الضوء على سيرة ومسيرة المناضل جمال زقوت الخاصة، والخاص هنا يتداخل فيه العام ويصبح جزء منه بحيث يكمل كلاهما مشهدية فلسطينية حافلة وزاخرة بالاحداث والمحطات الهامة بمسيرة الشعب الفلسطيني والتي توثق وتدون نضالاته وتضحياته وعثراته وانتكاساته ، وتحفظ سيرة الوطن ورواية ابناءه في مواجهة رواية الاحتلال واعوانه، والتي اجتهد كثيرا ليلغي حقنا في ان يكون لنا روايتنا الخاصة، تسهيلا لروايته الكاذبة القادمة من خرافات التاريخ وصفحات الكتب واوهام العابثين …
هذا الكتاب وهذه السيرة تستمد اهميتها من سيرة صاحبها جمال زقوت، ولكي ندرك فعلا قيمة هذه المذكرات ومدى جودت وملاءة هذه السيرة لابد لنا من معرفة البطاقة الشخصية والسيرة الذاتية والنضالية لصاحبها جمال زقوت، فهو سياسي ومناضل فلسطيني ولد في مخيم الشاطئ في غزة في كنف أسرة لجأت من بلدة إسدود جراء نكبة 1948. تفوق في دراسته وتحصل على منحة للطب درس فترة منها في مصر الى ان ابعدته السلطات المصرية فاكمل دراسته في بلغاريا، وبعد اجتيازه نصف المدة في دراسة الطب قرر تحويل تخصصه للدراسات السياسية رغم ممانعة الاصدقاء والجامعة نفسها، وحسم خياراته بغية العودة سريعا للوطن والانخراط في صفوف العمل الوطني.
اعتُقل عدة مرات، وأبعدته سلطات الاحتلال، مع اخرين منهم زياد النخالة سنة 1988، إلى خارج فلسطين [جنوب لبنان] بتهمة المشاركة في تأسيس القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى.
حاله كحال امثاله من الفلسطينيين تشهد له كل مطارات وحدود العواصم العربية التي تفتش على هويته وتلاحقه وتبعده عن اراضيها ثم تتغنى تلك العواصم بدعم الفلسطيني بشتى الوسائل والسبل وفي كل المحافل والميادين!!؟.
تزوج من رفيقة دربه نائلة عايش اللفتاوية والتي اعتُقلت أكثر من مرة، وكذلك طفلهما الذي أمضى مع أمه ستة أشهر في المعتقل.
استشهد اخيه بشير في لبنان، كما لوحقت عائلته برمتها من قبل الاحتلال، عائلته وبيئته برمتها الناهضة من رماد النكبة شكلت اولى مداميك وعيه الوطني، كما ان العائلة والمدرسة وغزة وحواريها وفدائييها وسيرتهم شكلت اكبر حاضنة له ولامثاله كي ينمو ويترعرع في بيئة وطنية خصبة معمدة بالدم والتضحيات.
عاد جمال إلى القطاع سنة 1994، وشغل عدداً من المواقع السياسية.
تتناول هذه المذكرات المسيرة الحافلة لحياة لاجئ ومناضل عصامي من جيل النكبة في مخيمات غزة والشتات. هذه النذكرات كما اسلفنا تجمع بين التجربة الشخصية والمشهد العام، وتسلط الضوء على تحولات المجتمع الغزّاوي في مراحل مفصلية أبرزها: الحياة اليومية في مخيم الشاطئ في الخمسينيات بعد النزوح؛ الحكم العسكري المصري في غزة في الحقبة الناصرية؛ بداية الاحتلال الإسرائيلي ويوميات المقاومة؛ والانتفاضة الكبرى سنة 1987، وانشاء السلطة الوطنية في 1994.
هذه المذكرات تسلط الضوء على حياة المؤلف في المخيم، وتستذكر ظروف المخيم وحالات القهر والبؤس التي عاشها، وتستذكر المذكرات المخيم وتستدعيه بكل تفاصيله المؤلمة والشيقة فيستدعي المؤلف عبر صفحات الكتاب تلك الحارات والالعاب واهم العادات والمؤن والمدارس وظروف العوز المرافق لهم والتي تشابه ظروف العوز والحاجة كل المخيمات…. وينجح المؤلف في التقاط اهم التفاصيل في المخيم وتسليط الضوء عليها تماما كالجواهري الخبير الذي يعرف ما تألفه العين ويعرف تماما ما يُحدث تلك اللمعة فيها.
الكتاب جاء بلغة سلسة واحداث جذابة تجعل من القاريء جزءا من النص؛ فاتقان جمال لفن الحكاء في هذه السيرة جعل منه حكاء برتبة امتياز؛ فقد نجح الرجل ان يجعل كل منا يستحضر احداث النكبة والقرى المدمرة ومسيرة الترحيل والهجرة وبناء المخيمات على اختلاف مسمياتها، ونسيرة ابنائها وشغفهم بالتعليم والانجاب والتحرير ايضا في معادلة مزدحمة تصارع الزمن والعوز والاخوة الاشقاء والاعداء على السواء..
هذا الكتاب يقع على خمسه فصول يتحدث الفصل الاول فيه عن المخيم وفي الفصل الثاني عن اخيه بشير وشتات العواصم وفي الفصل الثالث عن زوجته نائلة ومسيرته معها الفصل الرابع يتحدث عن الانفجار الكبير والمقصود به الانتفاضة الاولى انتفاضة الحجارة وفي الفصل الخامس يتحدث عن سيرته بين السجن والابعاد ويتبعهما بملحق من الصور تؤرشف وتؤرخ لسيرته ومسيرته في النضال منذ الولادة والمدرسة والجامعة حتى الابعاد والعودة ونشوء السلطة.
جمال زقوت يكتب سيرة ذاتية مميزة وصادقة يسرد فيها كثيرا من قضايا الوضع الفلسطيني العام والخاص وكذلك اقضايا لوضع العربي وحال الفلسطيني معها ومكانته منها، اضافه الى بعض تطورات الوضع العالمي…
طريقة السرد الواردة في هذا الكتاب توافق طبيعة الاحداث وتتناغم معها كسمفونية واحدة ذات ملامح جمالية نجح السارد في جعلها جزءا من الحكاية.
ومن ميزات السرد عند جمال انه بعيد عن التكلف والتهويل ويتسم بالموضوعية والمكاشفة والصراحة وهذا جزء من شخصية جمال للعارفين فيه او لمتابعين لقاءاته وحوارته التلفزيونية، فعند انتهاء القاريء من قراءة هذا الكتاب يجد الواحد نفسه وحاله تتقلد لسان حال جمال وهو ينطق ببعض الكلمات صارخا ومعبرا عن مخزون وطني دافق يحركه شعور بالالم نظرا لمآلات الامور؛ فهذا الرجل يكتب كما يتكلم وبذلك متعه اخرى اضيفت الى قراءة هذا الكتاب.