السياسي – سلط أستاذ الدراسات الدولية في جامعة “صن يات سين” الصينية، شاهر الشاهر، الضوء على ظهور توتر جديد في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، يتجلى في الدعوات العلنية التي وجهها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لوقف الحرب في غزة وتشكيل حكومة صهيونية “أكثر اعتدالاً” تقبل مبدأ “حل الدولتين”، مشيرا إلى أن هذا الحل أصبح الخيار الوحيد القادر على إنهاء الصراع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين من المنظور الأمريكي.
وذكر الشاهر، في تحليل نشره بموقع “مودرن دبلوماسي” أن الدعوة الأمريكية تأتي انطلاقا من الحرص على مصالح إسرائيل، خاصة أن بايدن كان أول رئيس أمريكي يزور إسرائيل وهي تخوض حربا ضد الفلسطينيين.
وأضاف أن الدعم الأمريكي الثابت لحكومة نتنياهو منذ بدء العدوان على غزة لم يكسب بايدن أي فوائد، إذ انتقد نتنياهو الولايات المتحدة بسبب جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في ألمانيا واليابان ودول أخرى لتبرير الجرائم بحق الفلسطينيين.
وإزاء ذلك، باتت الخلافات الأمريكية الإسرائيلية الآن في العلن، على الرغم من أن الكثيرين يدركون أنها كانت حاضرة طوال فترة رئاسة بايدن.
وهنا يشير الشاهر إلى أن علاقة بايدن بنتنياهو ربما كانت الأسوأ بسبب سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرفة وإصراره على مواصلة الإصلاحات القضائية رغم الانتقادات الأمريكية، لأنها تشكل تحديا لـ “النظام الديمقراطي في إسرائيل”، معتبرا أن الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل خلال حرب غزة لم يكن مصلحة أمريكية بقدر ما كان مصلحة انتخابية شخصية للرئيس بايدن وحزبه.
لكن ذلك كان مرتبطا بعامل الوقت، وضمان عدم توسع الحرب لتشمل دولا أخرى، وارتكز بالضرورة على قناعة بايدن بأهمية وجود إسرائيل كذراع للولايات المتحدة في المنطقة، تستخدمه لتنفيذ استراتيجيتها في الشرق الأوسط.
وارتكزت هذه الاستراتيجية على 3 عناصر، هي: أمن النفط، وأمن الممرات المائية الدولية (طرق التجارة)، وأمن إسرائيل، والعنصر الأخير يراه الشاهر شيئاً من الماضي بعد عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية والتهديد الذي تواجهه السفن التجارية الإسرائيلية من جانب جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين).
كما أن أمن النفط بات مهددا أيضا في أي لحظة بسبب احتمال إغلاق الممرات البحرية، وهو ما يعني الفشل الذريع للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
ويشير الشاهر إلى أن الفشل الإسرائيلي الكبير ناجم عن رفع سقف الأهداف في بداية العدوان على غزة، ما جعل الحديث عن نهاية وشيكة للحرب ضرباً من الخيال.
انحياز تاريخي
وعن مدى إمكانية نجاح بايدن في الضغط على نتنياهو، أشار الشاهر إلى أن الرؤساء الديمقراطيين كانوا تاريخيا أكثر ميلاً نحو فكرة حل الدولتين، لكنهم لم يتمكنوا من الضغط على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لقبول هذه الرؤية، ويرجع ذلك إلى اعتبارات عدة، أبرزها حاجة الرؤساء الأمريكيين إلى الدعم من اللوبي الصهيوني المنظم والمؤثر في تشكيل اتجاهات الناخبين الأمريكيين واعتمادهم عليه، نظراً لسيطرة اليهود على روافع مهمة في وسائل الإعلام الأمريكية ومساهماتهم المالية للحملات الرئاسية الأمريكية.
وفي حين كانت الولايات المتحدة أكبر داعم لإسرائيل، إلا أنها لم تكن قادرة على ممارسة الضغط عليها، كما ظهر خلال عدة إدارات. وعندما حاول الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، الضغط على إسرائيل للقبول بفكرة حل الدولتين، تمكن اللوبي الصهيوني من تهميشه بسبب فضيحة “مونيكا”، التي أصبحت ترمز إلى حياة كلينتون السياسية.
وعندما حاول أوباما الضغط على إسرائيل، قوبل بجرأة كبيرة من قبل نتنياهو، الذي كان في ذلك الوقت رئيساً لوزراء إسرائيل. وقبل نتنياهو دعوة من الكونجرس الأمريكي وألقى خطابا هناك دون زيارة أوباما.
وفي ظل وجود حكومة صهيونية متطرفة، مدعومة بمزاج شعبي داخل الكيان الصهيوني يطالب باستعادة “كرامة إسرائيل” وسحق حركة حماس، التي أصبح من المستحيل التعايش معها في المستقبل، فإن قدرة بايدن على إجبار نتنياهو على وقف الحرب تبدو محدودة.
وبحسب الشاهر، فإن الضغوط الأمريكية تنبع من فهم الوضع الخطير في المنطقة التي تشهد عملية خلط أوراق بنتائج غير متوقعة، فيما يعكس الحديث الأمريكي عن عزلة إسرائيل الدولية، نتيجة استمرار مجازرها ضد الشعب الفلسطيني، حجم التصويت على القرار الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي أيدته 153 دولة من أصل 193 دولة، والذي يدعو إسرائيل إلى وقف الحرب في غزة.
وبينما صوتت 153 دولة لصالح القرار، عارضته 10 دول فقط، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة والنمسا وجمهورية التشيك وغواتيمالا وليبيريا وميكرونيزيا وناورو وبابوا غينيا الجديدة وباراغواي، وبناء على ذلك اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار بأغلبية 153 عضوا مؤيدا، ومعارضة 10، وامتناع 23 عن التصويت.
وجاء ذلك بعدما حصل القرار السابق، الذي ناقشته الجمعية العامة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على أغلبية 120 صوتا، ما يشير إلى تحول في الموقف الدولي تجاه الحرب، بحسب الشاهر.
أولوية إسرائيل
ويلفت أستاذ الدراسات الدولية إلى أن الولايات المتحدة لم ترسل أساطيل إلى أوكرانيا لردع روسيا أو إلى بحر الصين الجنوبي لردع الصين عن غزو تايوان، رغم وقوفوها الداعم لكل من أوكرانيا وتايوان، لكن الأمر مختلف فيما يتعلق الأمر بإسرائيل، التي لطالما حظيت بدعم الوجود العسكري الأمريكي الأكثر كثافة في الشرق الأوسط، ما يعكس أهميتها الخاصة لواشنطن.
ويؤكد الشاهر أن استمرار الحرب وعدم وجود نهاية متوقعة لها أدى إلى تهديدات، ليس فقط ضد الرئيس بايدن وحزبه، بل ضد “السمعة الأمريكية” أيضا، بحسب تقدير الشاهر، مشيرا إلى أن “هذه السمعة هي لأمة لطالما وقفت نموذجا للعديد من الدول والشعوب وكانت أساس قوتها الناعمة التي جعلت الحلم الأمريكي حقيقة لعقود عديدة”، وان إنهاء الحرب أصبح “البوابة الحتمية الوحيدة للحفاظ على ما تبقى من الهيبة الأمريكية”.
ويعني إنهاء الحرب هزيمة إسرائيل والدخول في مفاوضات مع حماس التي حددت شروطها بوضوح، وفي مقدمتها إطلاق سراح كافة الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح المستوطنين الإسرائيليين (الكل مقابل الكل).
وستستلزم هزيمة إسرائيل محاسبة نتنياهو ومسؤولي حكومته، ما يجعل من غير المرجح أن يقبل نتنياهو الطلب الأمريكي بقبول حل الدولتين، وهو ما يثير احتمال حدوث مواجهة صامتة بين واشنطن وتل أبيب، حسب تقدير الشاهر.
وينوه أستاذ الدراسات الدولية إلى الحديث الأمريكي عن دور نتنياهو في تقويض المجتمع الصهيوني وتقسيمه من خلال الإصلاحات القضائية، واصطفافه مع اليمين المتطرف في حكومته، وتعطيله للمؤسسة العسكرية الصهيونية، كمؤشر على أن الولايات المتحدة تسعى للإطاحة به كحل لإنهاء حرب غزة.
وعلق الشاهر على هذا المؤشر: “يبدو أن الأمر لم يعد في يد بايدن ولا في يد حكومته، إذ يجب على الدولة العميقة في الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية للمصالح الأمريكية على مصالح بايدن وحزبه وحتى على مصالح إسرائيل إذا لزم الأمر”.
وأشار إلى أن “مصلحة جميع الأطراف الآن تكمن في التخلص من وجود نتنياهو في السلطة. لكن نتنياهو لن يدخر جهدا في الدفاع عن نفسه معتمدا على اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.
فهل سينجح ذلك اللوبي في افتعال أزمة لبايدن قد تمنعه من قضاء ما تبقى من ولايته الرئاسية، خاصة أنه لا يقف على أرضية صلبة، وهناك الكثير من الفضائح والشكوك تدور حوله وحول ابنه هانتر؟ يجيب الشاهر بأن التفكير في حصول بايدن على ولاية رئاسية ثانية يبدو أنه قد بات حلماً بعيد المنال، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تفوق منافسه ترامب عليه في جميع الولايات الانتخابية الرئيسية في الولايات المتحدة.
لكن السؤال القائم، بحسب الشاهر، هو من سيغادر منصبه أولاً؟ نتنياهو المهزوم والمتخبط، أم بايدن الصهيوني الحاقد الذي بات دعمه المطلق لإسرائيل يهدد المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة؟