بعد أكثر من ثلاثين يوماً قد تكون بواقع ثلاثين عاماً على من يعيش هذه الأحداث، لما كشفته من تداعيات وصورستبقى شاهدة لعقود قادمة على هذه الحرب الهمجية، لكنها كشفت تطورات صاعقة على أرض الواقع، فلم يكن في مخيلة مطلقي هذه الحرب على الأبرياء من أبناء شعبنا لخلق وجه جديد للشرق الأوسط أنهم يواجهون شعباً تمتد جذوره إلى ما قبل التاريخ، وكما يقول محللوه وحتى مناصروه: إن إبادة شعب كهؤلاء الصامدين على أنقاض صور النكبة هي محاولة إبادة التاريخ، وهذا أمر ليس بيد البشر مهما بلغ تغولهم وامتلاكهم لأدوات التدمير التي لا تفرق بين الشجر والحجر والبشر، هي مواجهة كما يقول الخبراء تكشف أن قوى الاحتلال لا تتعلم من دروس التاريخ التي مرّت بها بنفسها أو الدروس التي سطرتها كافة الشعوب التي واجهت هكذا ظروفا في مختلف مناطق هذا العالم، لأن الشعوب بقيت على قيد الحياة وصارت أيام الاحتلال مجرد شهادات ماضية من تاريخ الإنسانية التي ترفض كل مظاهر الاحتلال والقهر والإبادة.
لم يكن في حسابات الاحتلال أن روايته ستتكسر يوماً بعد يوم، وهو يرى بأم عينيه شوارع العالم من أقصاها إلى أقصاها ترفع علم فلسطين وتهتف لحق هذا الشعب بالتحرر والاستقلال، أراد أن تكون نكبة جديدة يطوي من خلالها ما تبقى من ذكر أو وجود لقضية فلسطين، ليس فقط من على أجندات العمل الإقليمي والدولي وإنما من على خارطة الوجود كما رفع رئيس حكومته خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي لا يشير لا من قريب أو بعيد لهذا الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال منذ عقود، خرافة حاول تسويقها من على منبر الأمم المتحدة على أمل المرور بها على طريق من الإنكار لحقوق الشعب الفلسطيني التي كفلتها له نفس القبة التي كان يقف تحتها، وما هي إلا أيام قليلة حتى دخلت فلسطين كل بيت من آيسلندا وحتى تشيلي، من فرنسا مروراً ببريطانيا ووصولاً لقلب العاصمة الأميركية واشنطن، لتنضم لمئات ألوف الحناجر التي تهتف لفلسطين وحريتها في آلاف الشوارع في الدول الصديقة في كافة قارات العالم، هدير صوت مئات الآلاف التي كسرت جدران الصمت والانحياز التي عانت منها القضية الفلسطينية على مر العقود، أصوات تصدّعت برجع صداها كل الروايات المضللة والكاذبة، وأفاقت من صداها كل الأقلام والعدسات التي خدعتها قوة الانحياز التي ضللتها على مدى سنين، فقصف المباني السكنية والمدارس والمستشفيات وآلاف المدنيين، بدل أن تكون سيفاً لكسر إرادة الأبرياء تحت القصف الذي لا يتوقف ليلاً ولا نهاراً، باتت وقوداً تستمد منه شوارع التضامن نورها نحو دولة فلسطين المستقلة، رغم الثمن العالي الذي يدفعه شعب أعزل تحت الاحتلالحتى الآن.
شوارع العالم وبيوت المتضامنين من كل الجنسيات والديانات لا تهتف إلا لحق الفلسطينيين بإقامة دولتهم وإنهاء الاحتلال، وفي مقدمة ذلك وقف حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة ووقف استهداف المدنيين، وحماية حقوقهم في ظل الحروب، لقد أصبح العالم قرية فلسطينية موحدة تحت شعار واحد، إن الاحتلال لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، والدولة الفلسطينية مكانها فقط هنا وعاصمتها فقط هنا، وقيادتها فقط هنا، وكل حديث أو تهديد بالتهجير القسري مهما كانت أغلفته يمثل خرقاً للقوانين الدولية، وجرائم حرب وضد الإنسانية، هذا هو نبض الشارع في كل أصقاع الارض، وهو صوت المتضامنين المتوحدين رغم كل ألوانهم السياسية والفكرية، ومرةً أخرى تعود القضية الفلسطينية لتتصدر كل الأخبار وكل الأحداث، فنسي العالم صراعات أخرى كانت حتى الأمس القريب أم القضايا ومركز الاهتمام، اختفى الحديث عن متحورات كورونا وأخواتها، وتبخر الحديث عن تغير المناخ وأزمات شرق آسيا، تطورات فارقة ولسان حالها يقول كانت فلسطين وستبقى مركز قضايا الكون مهما تعددت أو تنوعت محاولات طمسها أو دفعها إلى زاوية الإهمال أو النسيان من قبل هذا الطرف أو تلك الدولة، وهذا هو الدرس الذي تعلو به يافطات وشعارات المتضامنين في كافة شوارع ومدن العالم الحر.
ويبقى السؤال هل ستفيق القيادة الإسرائيلية من إنكارها والانتقال إلى منطقة جديدة من الصراع؟ أم أنها ستبقى أسيرة لآراء المتطرفين الذين لا يفكرون إلا في الحروب والإبادة والتهديد بقصف المدنيين في غزة بالسلاح النووي؟ لأن خيار الاحتلال والإمعان في محاربة الحرية والضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف والقرارات الدولية له نهاية واحدة، نهاية مؤكدة للاحتلال وانتصار للشعوب المظلومة، فالحروب هي أراضي الحسابات الخاطئة مهما كانت تمتلك العدة والعتاد، والسلام هو بوابة الاستقرار والأمن وبوابته تكون بالإقرار بحق فلسطين أن ترى النور كباقي دول العالم، فهل ستستمع القيادة الاسرائيلية لصوت شوارع العالم بإنهاء الاحتلال أم أنها ستمضي في استعداء شوارع العالم يوماً بعد يوم؟!
