في الحروب على غزة..

ريما كتانة نزال

في حرب غزة، المدمرة التي ما زالت تتوالى فصولها الدامية، تفتك دولة الاحتلال بالأهالي بأعتى أدوات القتل الغاشمة لا لذنب اقترفوه؛ سوى كونهم فلسطينيين يسكنون قطاع غزة الذي مرّغ أنوفهم بوحله رغم تبجحهم وعنجهيتهم. حقدهم كبير ودفين على غزة، لذا يريدون تحويل الضحايا إلى إحصائيّات وأرقام، وتحويل البيوت الحميمة إلى أكوام من الحجارة.
في الحروب على غزة فقط، ستجبر المدينة العالم على التوقف أمام الأبرياء من الأطفال والنساء، لن نسمح أن توحدهم الأرقام، فالشهداء ليسوا متشابهين، فلكل شهيد قصته وأحلامه، وستصر غزة على استحضار حيواتهم وأحلامهم وآمالهم.
في الحروب على غزة، دأب الناس على الركض دون هدف واضح، من أول متر فيها إلى المتر الأخير في الثلاثمائة وخمسة وستين كيلومتراً مربعاً، هي كل مساحة القطاع، حيث تهرب الناس من موت محتمل إلى موت مؤكد، ومن خوف معلوم نحو خوف مجهول.
في الحروب على غزة فقط، تُقاس علامات النصر والهزيمة بعدد الأشلاء المتناثرة، بعدد القتلى والجرحى، بعدد اللاجئين والنازحين، بعدد البيوت المدمرة، وعدد المجازر المقترفة دون رحمة أو احترام لأدنى القيم الأخلاقية.
في الحروب على غزة، يتم تقييم الإنجاز بعلاقته مع مؤشرات ارتفاع البؤس والفقر والضياع، وفي غزة تقاس الأحوال بمدى ارتفاع منسوب المعاناة عن حدها المعتاد مقارنة بحروب سابقة، وبعدد الأيتام والأرامل والمشردين والفقراء، وتقاس النتائج بعدد الزفرات والتأوهات والدموع، وعدد العائلات التي تم شطبها من السجل المدني.
إنها الحرب الخامسة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على غزة خلال خمسة عشرة عاماً، أي بمعدل حرب كل ثلاث سنوات، دون أن تمكنهم من الوصول إلى رأسها.
إنها الحرب الإسرائيلية الخامسة من أجل استئصال غزة مع ملامحها وسماتها الخاصة ومورثاتها المميزة، علماً أنه يمكنهم تكرار حروبهم مرة سادسة وسابعة وعاشرة، وأن يجربوا عليها الأسلحة الجديدة وأن يحرقوها بالفوسفور الأبيض وغيره من الأسلحة المحرمة على العالم، والمسموحة لإسرائيل.. لكن في نهاية المطاف لن تموت غزة ولن تركع، لأنّ القضاء عليها من سابع المستحيلات. ليس لقوة في غزة بل لقوة أهلها وصمودهم، في الحرب على غزة سيتوقف العالم أمام لعنة الاحتلال والمتواطئين معه.
في الحرب الانتقامية على غزة، يستطيع جيشهم قتل ما استطاع من المدنيين، براً وبحراً وجواً، يستطيع تجريف الأرض وتغيير معالمها في إطار ما يصطلحون عليه من خطط إستراتيجية لإجراء تغييرات إستراتيجية في غزة، لكنهم يستطيعون رسم خططهم على القشرة، لأن لغزة لغزها وأحجياتها الربانية، لديها طبقات نضالية تحت الأرض لن تصلها الصواريخ العنصرية، ولن يستطيع الغزاة امتلاكها والتعايش معها، ستفلت من بين صواريخهم وتعيش حياتها، كيفما تشاء.
في الحرب على غزة لا وقت لشيء إلا للصمود، الوقت كله من أجل حفظ الحياة والصبر. في الحرب على غزة لا وقت للحداد، لا وقت للعزاء والبكاء، فقد تحول ارتداء السواد إلى أحد أشكال الترف. في غزة، لا يتسع الوقت إلا لإطلاق صرخة الحياة. ولا وقت إلا لوضع المواليد الجدد، والحفاظ على تدفق الحياة.
في حرب الإبادة على غزة لا يجوز أن يقف أحد في المنطقة الرمادية، فلا مكان للحياد، ولا مكان للحلول الفردية. الضفة الغربية وقطاع غزة توأمان سياميّان لا ينفصلان، كل يواجه مصيره ويلقى ما يلقاه على يد الاحتلال ومستوطنيه. كل يقاوم بطريقته، يجمعهما هدف مشترك هو الخلاص من المحتل العنصري الإجلائي، الذي أخذ من دمنا الكثير دون أن يفقد شهيته وشبقه للقتل والتوسع والاضطهاد، لأن صهيونيتهم تفرض عليهم أن يكونوا متوحشين بشكل مطلق، وغزة هاشم شاهد على ذلك إذ يقتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ أمام عيون الكاميرات يومياً دون أن يرف له جفن.
ستنتهي الحرب طال الزمن أم قصر، وستنتصر غزة مجدداً، وسينعم شعبنا المتعطش للحرية بالاستقلال وتندحر أطماع وسياسات القتلة العنصريين في غزة والضفة وعموم فلسطين. وسيكون مصيرهم كما غيرهم من المستعمرين الذين ذهبوا إلى مزبلة التاريخ.

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً