كاتب: ماكرون شوه سمعه فرنسا

 في عمود رأي بصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، اعتبر الكاتب والجيوستراتيجي الفرنسي رينو جيرار أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أضر بشكل خطير بصورة فرنسا الدولية من خلال حلّ الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، قبل شهر فقط من الألعاب الأولمبية، وبعد خمسة أشهر فقط من تعيين رئيس وزراء جديد، و عامين فقط من الانتخابات العامة الأخيرة.

وقال الكاتب إن ماكرون ناقض، أولاً، نفسه في غضون أيام قليلة.. حيث إنه ظل إلى غاية ظهور نتيجة الانتخابات الأوروبية، يوم الأحد، والفوز الساحق لليمين المتطرف، يقول دائمًا إن هذه الانتخابات الأوروبية تعد قضية أوروبية بحتة وليست وطنية. وفجأة أصبحت  تكتسب أهمية وطنية بالنسبة له، كما لو كانت إعادة للانتخابات التشريعية لعام 2022، وأضحى من الضروري الآن، بأي ثمن، وفي أسرع وقت ممكن، تنظيم الانتخابات.

فما يفتقر إليه إيمانويل ماكرون ليس الشجاعة، بل الثبات. ووجود رئيس ”غير متسق” في مواقفه لا يخدم صورة فرنسا على المستوى الدولي، يقول رينو جيرار.

واعتبر الكاتب أن موجة الأصوات الفرنسية لصالح حزب ”التجمع الوطني” اليميني المتطرف لها أصل واضح للغاية: فهم يريدون عودة النظام الجمهوري في شوارعهم، وفي مدارسهم، وعلى حدودهم، وفي مواردهم المالية العامة. هذه هي المواضيع الأربعة التي لم يعطها إيمانويل ماكرون أهمية كافية خلال السنوات السبع التي أمضاها في السلطة حتى الآن.

 يقول رينو جيرار، متسائلاً، في الوقت نفسه، عما منع الرئيس مع حكومة غابرييل أتال من التفرغ لهذه الأولويات بالكامل، خلال السنوات الثلاث المتبقية له على رأس البلاد؟. مع أنه كانت هناك تحذيرات، آخرها وأخطرها أعمال الشغب التي اندلعت في المناطق الحضرية في شهر يونيو عام 2023.

ومضى رينو جيرار موضحاً أنه خلال السنوات السبع التي قضاها في السلطة، بذل إيمانويل ماكرون الكثير من الجهود لتحسين صورة فرنسا على المستوى الدولي. ومن حيث الاستثمارات الدولية وجاذبية فرنسا فقد حقق نجاحاً كبيراً. كما أنه قام من حيث الدبلوماسية الكلاسيكية، بجهود الوساطة في العديد من الأزمات الدولية، بما في ذلك بين الإيرانيين والأمريكيين، والروس والأوكرانيين، والإسرائيليين والفلسطينيين، والأذربيجانيين والأرمن، والكونغوليين والروانديين، والجزائريين والمغاربة، والشيعة والسنة في العراق، والليبيين في طرابلس وبرقة، واللبنانيين من جميع الأديان. غير أنه لم تنجح أي من هذه الوساطات. ولكن ماكرون ليس أصل هذه المشاكل، ولم يزدها سوءاً بمحاولة حلها. لقد كان محقاً في محاولته، لأن القيمة العليا في العلاقات الدولية هي السلام، وليس المفهوم الذي لدينا في الغرب عن الديمقراطية أو العدالة. وليس هو المسؤول عن الفوضى الحالية في بلاد ما بين النهرين ومنطقة الساحل، والتي سببتها حملتان سخيفتان للمحافظين الجدد، يقول رينو جيرار.

ويتابع الكاتب التوضيح أنه على مستوى الشؤون الأوروبية، رسم ماكرون مساراً مفيداً منذ خطابه في جامعة السوربون عام 2017، والذي كان في ذلك الوقت موضع تقدير كبير من قبل الشباب الأوروبي. ثم قام بعد ذلك بتدمير سلطته التعليمية، من خلال السماح لنفسه بإعطاء دروس أخلاقية لبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي (إيطاليا، والمجر، وبولندا)، الذين لم يجدوا صعوبة في الرد عليه بأدب.

وفي ما يتعلق بالدفاع، يضيف رينو جيرار، فإن إيمانويل ماكرون محق في اقتراح الحكم الذاتي الإستراتيجي الأوروبي. فهل يعد كون شركاء باريس في أوروبا يفضلون دائماً التوافق مع واشنطن خطأ الرئيس الفرنسي؟ يتساءل الكاتب.

وتابع الكاتب متسائلاً: لماذا إذن نشعر بشدة، عندما نسافر في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا وأمريكا اللاتينية، بتراجع صورة فرنسا الدولية؟

هناك شيء واحد فهمه الجنرال ديغول جيدًا، لكن إيمانويل ماكرون لم يتمكن من فهمه أبدًا: عندما تكون قوة متوسطة مثل فرنسا، فلا فائدة من تقديم أفضل أفكار العالم للدول الأخرى إذا لم يكن بيتك نفسه مرتباً، يقول رينو جيرار.

ولهذا السبب، وفق الكاتب، لم يحالف الحظ الرئيس الفرنسي في الاحتفالات التاريخية العالمية الكبرى.. ففي11 نوفمبر عام 2018، اجتمع حوله، في جادة الشانزليزيه، أمام قوس النصر، رؤساء دول القوى العظمى، من الولايات المتحدة إلى روسيا، للاحتفال بالذكرى المئوية للهدنة. ثم ظهر إيمانويل ماكرون باعتباره محبوباً للدبلوماسية العالمية. لكن بعد ثلاثة أسابيع، تشوهت هذه الصورة بشكل خطير، عندما شاهد العالم قوس النصر مرة أخرى مشتعلاً مخرباً من قبل “السترات الصفراء”.

وفي 6 يونيو 2024، وخلال احتفالات ذكرى إنزال الحلفاء عام 1944، استقبل ماكرون القادة الغربيين في نورماندي، ليحتفل أمامهم، ببلاغة كبيرة، بقيم الحرية والديمقراطية. ولكن بعد ثلاثة أيام، جاءت الانتخابات الديمقراطية ــ التي قرر المشاركة فيها رغم ألا شيء يجبره على القيام بذلك ــ والتي لم تجلب له سوى 1 من كل 7 ناخبين فرنسيين.

وينهي رينو جيرار مقاله بالقول: يا لها من خسارة، نقول لأنفسنا ونحن نتأمل هذه الكارثة والإصلاحات الداخلية المتعثرة وصورة فرنسا المتدهورة دولياً! إنه هدر لا يرضي أي وطني مخلص، ولا أي محب حقيقي لفرنسا.

القدس العربي  

شاهد أيضاً