السياسي – كان لافتا هروب الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلادش إلى الهند تحديدا عوضا عن التوجه إلى أي دولة أخرى من الدول المجاورة لبنغلادش، حيث توجهت إلى ولاية البنغال الغربية في الهند وفق وسائل إعلام هندية.
وكات الاحتجاجات الطلابية اشتعلت عقب إصدار المحكمة العليا في حزيران/يونيو الماضي، قرارا يتم بموجبه عودة العمل بنظام الحصص “الكوتا”، والذي يُخصص 56 في المئة من الوظائف الحكومية لفئات محددة، وهي عائلات قدامى المحاربين الذي شاركوا في حرب الاستقلال “الانفصال عن باكستان” في عام 1971.
والاثنين، أعلن رئيس أركان الجيش في بنغلادش، الجنرال واكر الزمان في مؤتمر صحفي، أن رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة واجد استقالت من منصبها.
وأكد زمان أن حسينة غادرت البلاد على متن مروحية عسكرية، وترافقها في رحلة الهروب هذه شقيقتها الصغرى الشيخة ريهانا٬ هربا من الاحتجاجات.
-القُرب الثقافي
ظفر الإسلام خان رئيس تحرير “ملي غازيت” الهندية، يرى أن “الشيخة حسينة لن تقبل بها أية دولة أخرى في المنطقة، أيضا هي ستعيش في الهند في ولاية البنغال الغربية التي تتشارك وبنغلادش في الثقافة واللغة وبالتالي لن تشعر بالغربة”.
وحول سبب عدم قبول الدول المجاورة استقبال الشيخة حسينة، أوضح خان أنه “لا يظن أن لبنغلادش علاقات جيدة مع أي من جيرانها مثل نيبال وسريلانكا وباكستان وبورما”.
وتابع: “وعلى أي حال كل هذه الدول المجاورة لها مشاكلها الخاصة وهى ليست ملجأ مفضلا للاجئين السياسيين، أما الهند فهي كبيرة جدا ويمكن للاجئين أن يختفوا فيها، ولكن حتى هنا, هناك مشكلات أمنية ومن أمثلتها قتل نائب من بنغلادش خلال زيارته للهند في أيار/مايو الماضي، وقيل أن للجريمة علاقة بالسياسة الداخلية في بنغلادش”.
-رفض بريطاني
صحيفة “ذا إيكونوميك تايمز” الهندية، قالت في تقرير لها إن “خطط سفر رئيسة وزراء بنغلادش السابقة الشيخة حسينة قد واجهت عقبات كبيرة بسبب الشكوك “عدم اليقين”، ومن المتوقع أن تبقى في الهند خلال الأيام القليلة المقبلة، وفقًا لمصادر مطلعة على الوضع”.
ووفقا للتقرير “فقد تم نقل حسينة، التي وصلت إلى قاعدة هندون الجوية أمس الاثنين بعد وقت قصير من استقالتها من منصب رئيسة الوزراء، إلى مكان آمن غير معلن”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “الشيخة حسينة كانت تنوي السفر إلى لندن من الهند ولكنها تدرس الآن خططًا بديلة بعد أن اقترحت الحكومة البريطانية أنها قد لا تحصل على الحماية القانونية في المملكة المتحدة ضد التحقيقات المحتملة”.
وتابعت الصحيفة، “كانت الشيخة حسينة تخطط للمرور عبر الهند في طريقها إلى لندن، حيث أبلغ مساعدوها السلطات الهندية مسبقًا، ومع ذلك، صرح وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن بنغلادش شهدت “مستويات غير مسبوقة من العنف والخسائر المأساوية في الأرواح” في الأسابيع الأخيرة، وأكد على الحاجة إلى “تحقيق كامل ومستقل بقيادة الأمم المتحدة في الأحداث”.
-تأثير سياسي هندي
وكانت بنغلادش قد انفصلت عن باكستان في حرب 1971 بمساعدة الهند، التي تحدها من ثلاث جهات وهي الغرب والشمال والشرق.
وارتبطت بنغلادش بالهند تاريخيا، حيث حكمها بعض الحكام المغول الذين حكموا مناطق في الهند، حيث ظهرت بعد الفتح الإسلامي للإقليم مجموعة إمارات مستقلة، ثم توحدت خلال القرن 14 ميلادي على يد شمس الدين إلياس شاه، وهو قائد عسكري استولى على الإمارة في البنغال الغربية وتوسع نحو البنغال الوسطى والشرقية، قبل أن تخضع المنطقة لاحقا لحكم المغول.
وفي العصر الحديث بدءا من منتصف القرن التاسع عشر سيطرت شركة الهند الشرقية البريطانية على بنغلادش، بعد معركة بلاسي التي جرت عام 1757م، وهُزم فيها المغول بقيادة سراج الدولة أمام الإنجليز الذين كان يقودهم روبرت كلايف.
وبعد استقلال الهند انقسمت شبه القارة الهندية إلى دولتين هما الهند، وباكستان، وكانت بنغلادش ضمن الدولة الباكستانية رغما أنه لا يوجد تواصل جغرافي بينهما، وبقيت كذلك حتى نشوب حرب الاستقلال “الانفصال” عام 1971.
وهذا التاريخ الطويل المشترك بين الهند وبنغلادش، ومساعدة الأولى للأخيرة للانفصال عن باكستان يدفع للتساؤل عن مدى تأثيرها عليها.
ناريندرا سوبرامانيان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ماكجيل الكندية، والخبير في سياسة جنوب آسيا، قال إن “الشيخة حسينة غادرت بنغلادش بسبب جهودها وحزبها الحاكم لقمع الاحتجاجات الواسعة النطاق ضد نظام حصص الوظائف”.
وأوضح أن “نظام الحصص هذا مكن من توجيه الفوائد إلى أعضاء الحزب الحاكم، وبشكل عام إلى الاستبداد الحزبي الذي أسسته، على الرغم من الانتخابات المنتظمة ولكن المزورة على نطاق واسع”.
وحول سبب اختيارها الهند كوجهة هروب، قال، “لا بد أنها اختارت أن تجعل الهند أول مكان تهبط فيه لأنها أقرب ونظامها أكثر موثوقية من دولة ميانمار المجاورة الأخرى لبنغلادش”.
وفيما يخص النفوذ الهندي في بنغلادش، قال سوبرامانيان، إن “الحكومة الهندية قبلت الأنظمة المختلفة التي حكمت بنغلادش، ولكن تأثيرها على تلك الأنظمة كان محدوداً منذ أوائل سبعينيات القرن العشرين عندما أدى تدخل الجيش الهندي لإحداث انفصال بنغلادش عن باكستان إلى زيادة شعبية الحكومة الهندية”.
وتابع: “في الواقع الحزب القومي الهندوسي الحاكم في الهند خلال العقد الماضي كان يشتكي في كثير من الأحيان من الهجرة الجماعية المزعومة للمسلمين البنغلادشيين إلى ولاية في الهند، على الرغم من أن أغلب المسلمين الذين يعيشون هناك هم من السكان المحليين أو أولئك الذين انتقل أسلافهم إلى هناك في القرن التاسع عشر”.
الكاتب والصحفي صلاح الدين شودري من دكا، قال إن “الشيخة حسينة كان عليها أن تغادر البلاد في غضون مهلة قصيرة، لذا اختارت أقرب وجهة لها، كما أنها كانت دائمًا صديقة وحليفة للهند”.
وحول ما إذا كان هناك تأثير سياسي هندي على بنغلادش، أوضح شودري أنه “في السياسة في بنغلادش، تتمتع الهند والولايات المتحدة والصين وروسيا بنفوذ كبير، وخلال الخمسة عشر عامًا والنصف الماضية، كان نفوذ الهند هائلاً لأن رابطة عوامي كانت في السلطة”.
من جهته قال ظفر الإسلام خان إن “حسينة واجد أقرب حليفة للهند في المنطقة، وهى ربما تعاملت مع المعارضة بالغلظة وأيضا حظرت حزب الجماعة الإسلامية وجناحها الشبابي بنصيحة هندية”.
الخبير في السياسة الخارجية الهندية، هابيمن جاكوب، قال في تغريدة له على منصة “إكس”: ” ماذا ينبغي للهند أن تفعل حيال التطورات الجارية في بنغلادش؟ لا شيء، لا شيء حتى الآن، لا يزال الأمر جارياً، والأمر لا يتعلق بالهند؛ بل يتعلق بالسياسة في بنغلادش. دعهم يكتشفون الأمر بأنفسهم”.
شبكة “بي بي سي” البريطانية، قالت في تقرير لها إن “الشيخة حسينة واجد زارت الهند خلال حكم رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي ثلاث مرات أولها كانت لحضور حفل أدائه اليمين الدستورية”.
وأشار التقرير إلى أن “الهند دعمت القوميين البنغاليين في حرب الاستقلال عام 1971، وأن لها علاقات وروابط اقتصادية ولغوية وثقافية مع بنغلادش”.
ويبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين حوالي 16 مليار دولار (12 مليار جنيه استرليني)، وتعتبر الهند الوجهة الأولى لصادرات بنغلادش في آسيا”.
إلا أنه من المؤكد أن العلاقات بين البلدين ليست مثالية، حيث تنشأ الخلافات حول علاقة بنغلادش الوثيقة مع الصين، وأمن الحدود، وقضايا الهجرة، وانزعاج بعض المسؤولين في بنغلادش من سياسات مودي القومية الهندوسية، وفقا لتقرير شبكة “بي بي سي”.
وأوضحت الشبكة في تقريرها أن “هناك بعض المشاعر المعادية للهند في بنغلادش، بسبب دعم الهند حكومة الشيخة حسينة، ويرى المنتقدون أنها تتدخل في السياسة الداخلية. كما تساهم المظالم التاريخية والاتهامات بالتجاوز في بعض التصورات السلبية”.
وقال علي رياض، وهو أستاذ علوم سياسية أمريكي من أصل بنغلادشي في جامعة ولاية إلينوي، لـ “بي بي سي”: “إن صمت الهند “ليس مفاجئًا لأنها كانت الداعم الرئيسي لحكومة حسينة على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية وساهمت عمليًا في تآكل الديمقراطية في بنغلادش”.
وأضاف، “لقد عمل الدعم غير المشروط للشيخة حسينة كحصن ضد أي ضغوط عليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لقد استفادت الهند اقتصاديًا ورأت السيدة حسينة باعتبارها السبيل الوحيد للحفاظ على البلاد ضمن نطاق نفوذ الهند”.
-من هي الشيخة حسينة؟
والشيخة حسينة واجد هي ابنة الشيخ مجيب الرحمن، والذي قاد حرب الاستقلال “الانفصال” عن باكستان في عام 1971، ليصبح أول رئيس لبنغلادش، وولدت حسينة عام 1947.
وفي فترة حرب الاستقلال كانت الشيخة حسينة زعيمة طلابية في جامعة دكا، ومن خلال ذلك اكتسبت شهرة واسعة.
إلا أنها عاشت في وقت لاحق “مأساة” عائلية، حيث اغتيل والدها مجيب الرحمن ومعظم أفراد أسرتها في انقلاب عسكري عام 1975، إلا أنها نجت هي وأختها الصغرى من هذا المصير الدموي.
وأصبحت الشيخة حسينة أيقونة وطنية بعد أن تعاونت مع أحزاب سياسية، للخروج بمظاهرات مناصرة للديمقراطية في شوارع بنغلادش أثناء حكم الجنرال حسين محمد إرشاد.
وتم انتخابها ووصلت للسلطة أول مرة في عام 1996، ويُنسب لها الفضل في توقيع اتفاق لتقاسم المياه مع الهند وكذلك اتفاقية سلام مع متمردين قَبَليين في جنوب شرقي البلاد.
إلا أنها واجهت انتقادات بسبب ما قيل عنه أنه فساد اقتصادي وحكمها للبلاد بقبضة حديدية وفق معارضيها، حيث استهلت حكمها بحملة إعدامات طالبت عدد من قادة الجماعة الإسلامية.