لماذا لا يكترث مشعل بمحنة غزة ولا بالشرعيات؟

مهند عبد الحميد

 

بعد تسعة أشهر من حرب الإبادة قدم خالد مشعل رؤية سياسية للواقع الفلسطيني وللمهام التي لا تحتمل التأجيل، بالاستناد إلى إنجازات عملية طوفان الأقصى وكان من أهم عناوينها.. المقاومة القادرة على إنجاز المشروع الوطني، وضرورة تجاوز اتفاق أوسلو، وإعادة النظر في واقع القيادة والمرجعية وبناء المؤسسات، وأهمية حكومة توافق وطني، وصولاً إلى آليات العمل كالانتخابات والتوافق والشراكة.
الأفكار التي طرحها مشعل تنتمي إلى طريقة التفكير والمفاهيم السابقة وكأن شيئاً لم يكن.
إن أهم متغير أثناء حرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، هو دخول القوى الحية وفئات واسعة من المجتمعات على صعيد عالمي ضد الحرب والنظام الدولي المشارك فيها أو المتواطئ معها. ونجاحها في ترك بصمات ملموسة على قرارات الحرب وجرائمها البشعة.
إن تحسس رأي عام عالمي متزايد للكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبناء عولمة إنسانية مشتبكة مع العولمة المتوحشة. لم يترافق هذا التحسس – الإنجاز الباهر – مع تحسس خالد مشعل لحرب تدمير وتفكيك وتهجير مجتمعه، وذلك عندما اعتبر دمار غزة ثمناً للمقاومة ودعا للاستمرار وانخراط الجميع في القتال. يبدو أنه لم يستخلص الدروس ولا يريد أن يستخلص الدروس هو وإخوته في قيادة حماس وفي مقدمة ذلك درس الحفاظ على حياة المجتمع وإنقاذه من حرب الإبادة.
فلا يستقيم استمرار مقاومة مع تدمير المجتمع وتفكيكه. ولا دور ولا وظيفة للمقاومة إذا لم تكن مهمة الدفاع عن المجتمع وبقائه وتماسكه أولى مهماتها.
ثمة موقفان متناقضان لـ”حماس”، الأول تطالب فيه ورقة حركة حماس بوقف دائم لإطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال خارج قطاع غزة وعودة المهجرين والبدء بالإعمار – أي العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر – خلافاً لذلك تتحدث ورقة مشعل عن التحرير الذي ليس له طريق إلا المقاومة والآفاق السياسية التي تحددها المقاومة.
لماذا يتجاهل مشعل السياسة الإجرامية الإسرائيلية التي تدمر وتقتل وتهجر وتعيد التدمير والقتل والتهجير لما تبقى من بشر ومنازل ومستشفيات ومزارع.
هذا الثمن الفادح الخارج عن طاقة أي بشر، مقابل ماذا؟ يقول مشعل إنه مقابل التحرير، هل هو تحرير قطاع غزة المعاد احتلاله بعد 7 أكتوبر والذي أصبح غير قابل للعيش بعد تدمير معظم بنيته التحتية؟
هل تستطيع المقاومة فرض الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بشروطها ؟ للأسف لا تستطيع المقاومة رغم بطولة وشجاعة المقاومين، والسبب هو شراسة الإسرائيليين الذين انتقلوا من عقيدة الحرب الخاطفة إلى عقيدة حرب الإبادة والأرض المحروقة المفتوحة المدعمة بسيطرة جوية وأرضية وبحرية.
خطة بايدن المدعومة عربياً، تتضمن إملاءات واشتراطات أقلها، تحويل قطاع غزة إلى منطقة منزوعة السلاح، وبناء سلطة جديدة تابعة بموافقة إسرائيلية، وفرض وصاية أشد على السلطة الرسمية الفلسطينية المعترف بها.
المرحلة الإسرائيلية الثالثة في الحرب تتحدث عن سحب القوات من كل المناطق ذات الكثافة السكانية والتمركز في نقاط سيطرة استراتيجية محصنة في نتساريم وفيلادلفيا ومعبر رفح والشريط الأمني بعمق كم وأكثر، والاعتماد على المسيرات والطائرات والقصف عن بعد وتنظيم هجمات داخل المناطق التي تعود إليها المقاومة مع تعطيل الإعمار وتقنين الغذاء والدواء والوقود إلى حدود أقل من دنياً.
ماذا يعني ذلك؟ يعني استمرار الضغط على الناس، استمرار القتل والتدمير وبقاء المجتمع دون مقومات العيش، دون مدارس وجامعات، ومستشفيات ومزارع ومشاغل ومصارف وعمل .. وبالطبع استمرار المقاومة التي تنتظر هجمات تتصدى لها، واستمرار محاولات إعادة سيطرة حماس والتي ستتعرض إلى هجمات واغتيالات أيضاً.
لم ينبس مشعل ببنت شفه عن كيفية مواجهة الشروط الجديدة، فقط يتحدث عن التحرير الذي ستصنعه المقاومة، ويتحدث أبو مرزوق عن إهداء نصر المقاومة إلى الرئيس السيسي وإلى آخرين.
لم يجب مشعل عن مدى مواءمة تكتيك حرب المواجهة الذي اتبعته المقاومة في الحروب الخمس التي شنت على قطاع غزة وفي تجربة كتائب المقاومة في شمال الضفة مع آلة حرب مدمرة يحركها نظام فصل عنصري استعماري، لم يوضح مدى صحة اعتماد المقاومة المسلحة كشكل رئيس للتحرر في أراضٍ محتلة محاصرة وداخل قبضة أمنية تتحكم في الماء والطاقة والغذاء والاستيراد والتصدير والعمل والحركة.
اكتفى مشعل والمشاركون في الندوة بالحديث عن التحرير والنصر وتفكيك المشروع بمثل ما بدأ، ودعوة الجميع إلى الانخراط في المقاومة التي لا طريق أمام الشعب الفلسطيني غيرها.
وفي المحصلة فإن السيناريو الأقرب للتحقق هو “انهيار الكيان الصهيوني وتفككه وفقدانه لمبررات وجوده” كما يقول مشعل. وإن المقاومة أسست لنصر استراتيجي ستتحقق ثماره خلال سنوات كما يقول مشارك في الندوة، وإن طرح استراتيجية إنهاء الكيان وتفكيكه يزيد النضال ويستدعي أن تشارك قوى أخرى مع المقاومة في تحقيق هذا الهدف، كما يقول مشارك آخر.
بيت القصيد في ورقة مشعل المطالبة بتجاوز اتفاقية أوسلو فعلياً، واعتبار ذلك استحقاقاً لا بد منه، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني لجهة تحديد القيادة والمرجعية.
وكان المشارك في الندوة أكثر وضوحاً عندما عبر عن رغبته في استرداد منظمة التحرير من خاطفيها، وترتيب شبكة آمان للمقاومة في مواجهة من يرغبون في تصفية المقاومة أو تفريغها من مشروعها المقاوم”.
ورغم أن مشعل حدد آلية الانتخاب والتوافق والمشاركة إلا أنه تجاهل القواعد التي ترتكز عليها المنظمة كشرعية فلسطينية والتي أصبحت داخل الأمم المتحدة بمسمّى دولة فلسطين. لا شك في أن الحل المنشود هو تحقيق وحدة وطنية في إطار الشرعية الفلسطينية، التي استندت للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ما أفضى إلى اعتراف عربي ودولي واسع النطاق، وإلى الحل الدولي للقضية الفلسطينية منذ قرار التقسيم إلى وثيقة إعلان الاستقلال ومئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة وبعض قرارات مجلس الأمن.
كما أن إصلاح مؤسسات المنظمة والسلطة ضرورة لا غنى عنها لا تنفصل عن الشرعية. مشعل قفز عن قبوله بالشرعية الفلسطينية والعربية والدولية كشرط أساسي – وليس مناورة أو تكتيكاً -.
القبول والالتزام بالشرعية أولاً وبعدئذ سيكون الإصلاح والتجديد والتغيير.
لا يوجد حل وسط أو توافقي في مسألة الشرعية، تستطيع حماس الدخول إلى الشرعية الفلسطينية بمواصفاتها، ولا تستطيع الشرعية الفلسطينية الذهاب إلى حماس بمواصفاتها فتلك وصفة سحرية لانهيار الشرعية التي تأسست خلال عقود وبتضحيات كبيرة.