لو كنت في غزة..

أوس أبوعطا

من يتابع حال أهلنا في غزّة وتصريحاتهم لوسائل الإعلام ومنشوراتهم على فيسبوك سيصاب بالذهول الشديد حتما؛ ألم لا يمكن تخيله إطلاقا، وإن كنا نشيح بوجوهنا عن الصور المرعبة القادمة من هناك ولا نقدر على تحمل مشاهدة آلامهم وآهاتهم فكيف سيكون حالنا لو عشنا ومررنا بأوقات مثلهم. فإن كانت أمنيات بعضنا بشراء سيارة أو منزل أو حتى جوّال حديث، فأمنيات أهلنا في قطاع غزّة الحبيب لا تذكر.

لو كنتُ في غزّة لتمنيت أن أحصل على تفاحة لأتقاسمها مع عائلتي، أو على برتقالة أعتصرها وأنقط عصيرها في حلوق أبنائي العطشى. لو كنتُ في غزّة لتمنيت أن أنام ليلة بلا خوف وهلع وبعوض.

لو كنت في غزّة لتمنيت أن أستحم، لتمنيت أن أتناول وجباتي المفضّلة، وأنام قيلولتي بطمأنينة وسكينة.

لو كنتُ في غزّة لتمنيت أن أظلّ أنا وعائلتي على قيد الحياة حتى اليوم التالي. يا لفداحة الوجع. ويا لأمنيات أهلنا في قطاع غزّة النازف.

تتكاثر المصائب يوما إثر يوم في غزّة بسرعة قياسية، وتزداد سرقة المعونات ويرتفع جشع التجار ونهمهم، وسلطة حماس لا تلاحظ كل هذا، بل لها بصاصون يراقبون تذمر الناس، وجواسيس يكسرون أطراف من يقوم بنقدهم، تتسع عيونهم عند قراءة منشور ناقد لهم، وتغمض عيونهم حين مشاهدة شاحنات تُسرق ومساعدات تتلاشى في الطريق.. يا للمفارقة العجيبة.

حديثا تم تداول مقطع فيديو مصوّر على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه ملثمون حمساويون وهم يضربون شابين بعصا بلاستيكية بشدّة، ويخطّون على ظهر كل واحد منهما “حرامي” للتشهير بهما، لأنهما أخذا ما يقيم أود عائلتيهما من مخازن حماس المكدّسة بالمعونات الغذائية والمساعدات العينية.

تاريخيا كما هو معروف، أوقف الفاروق عمر بن الخطاب حدّ السرقة في عام الرمادة، عام الجوع والفاقة، ألم يقرأ هؤلاء تاريخهم الإسلامي؟

كما تُعيدنا هذه الحادثة الأليمة إلى بيت جبران خليل جبران، في قصيدته الشهيرة المواكب:

فسارق الزهر مذمومٌ ومحتقرٌ

وسارق الحقلِ يدعى الباسلُ الخطرُ.

تتحمل السلطة الوطنية الفلسطينية مسؤولية كبيرة عما حدث ويحدث في قطاع غزّة منذ انقلاب حماس، فلو بقيت السلطة تتحكم بزمام الأمور هناك، ولم تسمح لحماس بالسيطرة عنوة على القطاع، لما حدث أساسا ما حدث من هجوم عشوائي لحماس والجهاد، وما ارتكبت حرب الإبادة الشاملة والتجويع والتشريد والتنكيل والاعتقال بلا سبب في غزّة، وهذا بديهي.

وبما أننا “نربّي الأمل” كما قال محمود درويش، يظهر هذا الأمل جليّا في تقديم الاتحاد الأوروبي حزمة مساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية تقدر بـ400 مليون يورو.

كما يظهر الأمل بعودة الدعم لصندوق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من غالبية الدول التي أوقفت دعمها، كإيطاليا وكندا والسويد والنمسا وألمانيا والأخيرة تعتبر ثاني أكبر المانحين، وحديثا أعادت المملكة المتحدة هذا الدعم.

تجدر الإشارة إلى أن تمويل الدول المانحة للأونروا توقف مؤقتا بناء على مزاعم إسرائيل بشأن تورط موظفي الوكالة في هجمات ضد إسرائيل. وتم استئنافه بعد تحقيق مستقل ونزيه أجرته وزيرة الخارجية الفرنسية السّابقة كاثرين كولونا أنصف الفلسطينيين. فكما هو مؤكّد توظّف الأونروا 32 ألف شخص في الأراضي الفلسطينية والدول المجاورة، منهم 13 ألفا في قطاع غزة، حيث تمثل أكبر وكالة إغاثة على الإطلاق، إذ تُدير مدارس وخدمات اجتماعية للاجئين الذين يشكلون غالبية سكان قطاع غزة.

إن لكل سلطة في كل مكان وزمان حقوقا وواجبات وإن كانت سلطة الأمر الواقع، لا تستطيع تقديم أي من واجباتها الدنيا، فعليها أن ترحل وتفسح المجال لسلطة أخرى تكون أقدر وأجدى في تحصيل حقوق الشعب الفلسطيني بالحد الأدنى. وإن كان بعض الشبان اضطر إلى السرقة ليطعم عائلته كيلا تموت جوعا، فالأولى أن يعاقب من تسبب بهذه المأساة والأولى أن يضرب الحاكم لا المواطن الفقير البائس.