السياسي – رغم تراجع حدّة وحجم القتال بين إسرائيل و”حزب الله”، في الأيام الأخيرة، بعد أسبوع من التصعيد الخطير، ودعوات دول عربية وغربية مواطنيها لمغادرة لبنان، إلا أن احتمال انفجار الحرب الواسعة يزداد.
ورغم أن كل الأطراف غير معنية بحرب كبرى، إلا أن “باب الشر” مفتوح، مع استمرار الحرب على غزة، ونتيجة الضغوط الداخلية، في ظل حالة ارتباك وحرج داخل إسرائيل، ناجمة عن الفشل في حسم المنازلة مع “حزب الله”، وتواصل نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين، لجانب الفشل في تحقيق انتصار على “حماس”، رغم تدمير وتهجير غير مسبوقين طيلة تسعة شهور.
وربما هذا ما دفع ويدفع دولاً لاستدعاء رعاياها من لبنان، والتحذير من الذهاب إليه، رغم أنه من غير المستبعد أن ذلك يندرج ضمن الضغوط الممارسة على “حزب الله” للتراجع عن موقفه، خوفاً من اندلاع حرب تبدو وشيكة.
رغم إصابة 18 جندياً إسرائيلياً في الجولان السوري المحتل، أمس، جراء انفجار مسيّرة لـ “حزب الله”، فإن كافة الأطراف لا تريد “الانفجار العظيم” الخطير، الذي تخشاه الولايات المتحدة أيضاً، لعدة عوامل، وترى أن إيران ستشارك في حرب ستكون إقليمية. هذا صحيح بالنسبة لـ “حزب الله” أيضاً، فهو ما زال يعتبرها جبهة إسناد، وغير معنيّ بتوسيع نطاق النيران لحساباته المتنوّعة، لا سيّما أن الأثمان الحالية التي يسدّدها هو والريف اللبناني في الجنوب باهظة. هذا هو الحال في إسرائيل التي لعبت بنيران الحروب في لبنان، واكتوت أصابعها،آخرها في 2006، خاصة أن جيشها منهكٌ اليوم، بعد حرب طالت كثيراً على غزة دون طائل ولا مخرج.
تلميحات غالانت
منذ أن عاد وزير الأمن في حكومة الاحتلال يوآف غالانت من زيارته للولايات المتحدة توالت تلميحاته بأن إسرائيل غير معنية بحرب مع “حزب الله” الآن، وأنها تفضّل الاتفاق والتسوية، بعد سلسلة تصريحات عن “إعادة لبنان للعصر الحجري”.
وهذا ما يلمح له نتنياهو أيضاً، وهو يدرك تبعات وأثمان الحرب الكبرى، رغم رغبته الشخصية بإطالة أمد الحرب، خاصة أنه يسمع تقديرات مراقبين وجنرالات في الاحتياط يعتبرون حرباً واسعة في الشمال الآن مغامرة خطيرة جداً، تنطوي على تهديد وجودي على إسرائيل، فهي منهكة وعاجزة عن إدارة حرب على جبهتين.
نتنياهو ربما يريد الإبقاء على الوضع الراهن في الشمال، لرغبته بمواصلة الحرب على غزة، لحسابات كثيرة؛ منها الهرب للأمام، الخوف من مغادرته التاريخ وسدة الحكم.
من غير المستبعد أن يواصل نتنياهو مراوغته للإمعان في الحرب والتوتر، رغم تسريبات عن قرب إعلان إسرائيل عن نهاية “مرحلة القتال الشديد”، والانتقال للمرحلة الثالثة من الحرب (الانسحاب من القطاع، والبقاء في محور فيلادلفيا ومعبر رفح ومعبر جحر الديك- الرشيد)، مرحلة الغزوات والعمليات الموضعية، وهكذا في الشمال الاستمرار في الاشتباك، وسط حرص على قواعده.
دعوات “حربجية”
في المقابل؛ يدعو وزراء ونواب في إسرائيل للتصعيد وللحرب. وقد طالب وزير المالية المستوطن سموتريتش بحرب حادة وسريعة في لبنان.
وعكست الإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الإثنين، موقف أوساط إسرائيلية واسعة، بقولها إن سموتريتش منفصمٌ عن الواقع، ولا يدرك معاني وتبعات الحرب مع “حزب الله”.
يبدو أن هذه الأوساط، بخلاف سموتريتش (الباحث عن مواقف شعبوية، وهو يصارع وحزبه على البقاء سياسياً وفق كافة الاستطلاعات)، تتذكر وتدرك أن حملة محدودة على لبنان من شأنها أن تشعل حريقاً واسعاً مدمّراً لكثير من الأطراف. هكذا حصل في حرب لبنان الأولى، عام 1982، يوم أعلن وزير الأمن الراحل أرئيل شارون بأن “سلامة الجليل” هي حملة ستطول 48 ساعة، ولاحقاً تحولت لحرب استنزاف طالت 18 عاماً، تكبّدت فيها إسرائيل خسارات موجعة، وفي حرب لبنان الثانية، عام 2006، فشلت في حسم “حزب الله” بعد 33 يوماً من القتال.
وتكشف صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم، أن مسؤولين إسرائيليين اقترحوا على نظرائهم الأمريكيين توجيه ضربة عسكرية في لبنان تضطر “حزب الله” على التراجع لشمال الليطاني، لكن واشنطن متشكّكة، وتخشى اندلاع حرب واسعة.
ويقول المحلل العسكري في الصحيفة عاموس هارئيل إن أكثر ما يغذّي احتمال اندلاع حرب كبرى هو الصعوبة الأبرز بالنسبة لإسرائيل: عشرات آلاف النازحين، حيث هناك 28 مستوطنة ومدينة (كريات شمونة- “الخالصة”) على الحدود مع لبنان فارغة تماماً. ورغم تراجع التصعيد في الشمال، يعتبر هارئيل، وهو محق بذلك، أن الخوف من اتساع النار موجود، ومبرر في ظل عدم وجود حلّ سياسي للنزاع مع لبنان و”حزب الله”، وفي ظل استمرار الحرب في غزة، واستمرار تبادل التهديد والوعيد.
وبعد التلميح لخطورة حسابات “الأنا” المتضخمة، يضيف هارئيل: “استمرار النزوح بلا حلّ يرفع احتمال اندلاع حرب واسعة، رغم المخاطر المترتبة عليها”.
من جهة أخرى، يرى وزير الأمن الأسبق رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” النائب أفيغدور ليبرمان أن إسرائيل تتصرف بشكل مغلوط إستراتيجياً، معتبراً أن إيران هي “رأس الحية” التي تشعل كل هذه النيران حول إسرائيل وينبغي “معالجتها”.
في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، قال ليبرمان إن إيران لا تشعل الحروب ضد إسرائيل من خلال الآخرين فحسب، بل تندفع نحو القنبلة النووية في ظل الحرب الحالية.
ويضيف ليبرمان، مطلقاً سهام انتقاداته لحكومة الاحتلال الفاشلة والعمياء: “في الشمال تبدّدت كل الخطوط الحمر، وبقاء أولادنا وأحفادنا هنا يستلزم الذهاب لحرب مع إيران و”حزب الله”، فالضرر الناجم عن التأجيل أكثر فداحة من نتائج هذه الحرب الآن. إسرائيل سفينة بلا قبطان وسط بحر هائج”.
من جهة أخرى، تحذّر صحيفة “هآرتس” من مغبة مثل هذه الحرب، وترى أن الحل يكمن بوقف الحرب على غزة، استعادة الاسرى، وترتيب الأمور مع لبنان، والتعاون مع الولايات المتحدة ضمن صفقة سياسية كبيرة تشمل تحالفاً مع السعودية، وبناء محور مناهض لإيران.