مبعوث أميركي يبني الأبراج..على أنقاض”سايكس بيكو”

ساطع نورالدين

مبعوث أميركي يبني الأبراج..على أنقاض”سايكس بيكو”
ستبقى مدينة زحلة البقاعية، واحدة من أجمل مدن لبنان، وأقربها الى القلب، بموقعها الجغرافي المميز وبمكانة أهلها الكرام، وبينهم أجداد المبعوث الأميركي طوم براك الى تركيا وسوريا، ومنها أخيراً الى لبنان، الذي لم يفاخر يوماً بجذوره اللبنانية أو الزحلاوية، ولم يسعَ حتى الآن الى استكشاف روابطه الأسرية مع تلك المدينة العريقة التي باتت تندرج نظرياً على جدول أعماله الخاص بتشييد “أبراج” الشراكة بين رئيسه دونالد ترامب وبين الرئيس التركي رجب طيب ارودغان على ضفاف البوسفور، وإرساء الأسس لبناء “عمارات” السلام السوري، وإسنادها بما تحتاجه من دعامات “الخاصرة اللبنانية” الرخوة.
لكن إنقطاع المبعوث الأميركي براك عن زحلة أو إغفاله لها، قد لا يعفيه من حرج السؤال عن سبب إختيار ترامب له لهذه المهمة الدبلوماسية الحرجة، ذات الجذور العقارية، والصداقة القديمة التي تربطهما منذ عشرات السنين، مثله كمثل العديد من الموفدين “العقاريين” الاميركيين الذين يجوبون العالم بإسم الرئيس وصداقته، من خارج ملاك وزارة الخارجية الأميركية ومؤسسات الدولة الاميركية..ليقوموا بأدوار تاريخية ينوء بها أعرق السفراء والخبراء، ويحصلوا على صفقات “هندسية” مجزية لبلادهم، وعمولات للرئيس وعائلته ومقربيه، قاربت قيمتها ال800 مليون دولار من دول الخليج العربي وحدها، حسب تقديرات الاعلام الأميركي نفسه.
مؤخراً، دخل براك السوق السياسي اللبناني بقوة، بعدما كان يعتقد أنه مكلف بتركيا وحدها، قبل ان يطلب أردوغان من ترامب المساعدة في ترتيب شؤون البيت السوري المتصدع. ومن هناك، أطلق براك عنواناً غريباً لمهمته، هو الاختلاف الأميركي القديم مع معاهدة سايكس بيكو الفرنسية البريطانية، قاصداً التعبيرعن التزام بلاده بعدم تقسيم سوريا وتمسكها بالوحدة الوطنية السورية (التي خالفت في الأصل نصوص تلك المعاهدة)، ومؤكداً على منح الشرعية لحكام دمشق الجدد الإسلاميي الهوية والهوى، الذين يتولون السلطة بإشراف مباشر من تركيا.
قال براك أكثر من مرة، منذ توليه منصبه كسفير في تركيا ثم كمبعوث الى سوريا، أن أميركا التي جربت التدخل المباشر في بناء الدول وتشكيل الحكومات وتأسيس “الديموقراطيات”، لن تكرر تلك التجربة أبداً. الدور الآن هو لشعوب المشرق، ولشعب سوريا بالذات. لكي يشق طريقه بنفسه (برعاية الاتراك طبعا)، ويختار نموذجه الخاص للدولة والنظام والسلطة والمؤسسة.. وينأى بنفسه عن معاهدة سايكس بيكو، التي باتت اليوم حلم المشرقيين وطموحهم الذي لا يستثنى منه سوى المنكوبين الفلسطينيين.
من دون أن يمر بمسقط رأس اجداده في زحلة، ظهر براك فجأة في بيروت، ليسد من جهة فراغ المبعوثة المعزولة التي لم تكن تنتمي في الأصل الى “الدائرة العقارية” للرئيس ترامب، مورغان أورتاغوس، ولا الى أي دائرة جدية أخرى..وفراغ منصب السفير الأميركي في بيروت المخصص لصديق ترامب، اللبناني الأصل ميشال عيسى، المفتخر بأصوله اللبنانية، والذي ينتظر مصادقة الكونغرس الأميركي على تعيينه..مع أن مجيء براك من أنقرة الى بيروت، مرورا بدمشق لا يدع مجالا للشك في مكانته لدى الرئيس الأميركي وفي مهمته الدبلوماسية التي لا تقل أهمية عن مهمة المبعوث الآخر ستيف ويتكوف المعني بالابادة الفلسطينية والقنبلة الذرية الإيرانية، وما يستجد منهما.
ظهر براك في العاصمة اللبنانية، وفي يده كما قيل “ورقة”، هي ليست ورقة تماما ، وهي لا تمت بصلة طبعا الى “سايكس- بيكو”، ربما لتفادي تحريك مواجع السنة والشيعة والموارنة والارثوذكس وحتى الدروز والعلويين من تلك المعاهدة “المشؤومة”.. لكن الورقة المفترضة تتضمن كل ما يحتاجه المواطن اللبناني من نزع سلاح حزب الله، الى الإصلاحات الاقتصادية والمالية..لتصل الى الجوهر والاصل، وهو الحاجة الى تنظيم العلاقات السورية اللبنانية، الحدود والهجرة والتجارة، وحث الدولة والشركات اللبنانية على عدم التأخر في تقديم أوراق إعتمادها في تركيا للحصول على حصص من عقود إعادة إعمار سوريا.
ما يهم لبنان هو أن تظل زحلة بمعزل عن هذا الظلم الأميركي الطارئ ل”سايكس- بيكو”، وألا يكون بناء “الأبراج” الأميركية على حساب المدينة.. أو المعاهدة.
بيروت في 2 / 7 / 2025