حدد المسؤول الإسرائيلي الأمني السابق، عامي إيالون، خارطة طريق “لهزيمة حماس” والفوز بحرب غزة وذلك من خلال “تسوية سياسية مستدامة” فقط.
وطرح إيالون في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز تساؤلا “لماذا يعتمد الحلم الصهيوني على حل الدولتين؟”، مؤكدا أن هزيمة حماس تتم دبلوماسيا بدعم “حل الدولتين والتسلح بالشرعية الدولية التي ساعدت على قيام إسرائيل بعد المحرقة”.
ولفت أيالون وهو قائد سابق للبحرية الإسرائيلية، ومدير سابق للشاباك، ومؤلف كتاب “النيران الصديقة: كيف أصبحت إسرائيل أسوأ عدو لنفسها وأملها للمستقبل”، إلى أن الحاجة تبرز إلى إجراء تغيير في القيادة الإسرائيلية.
ويستشهد بمقابلة سابقة لأحمد ياسين مؤسس حماس تعود لعام 1997 يقول فيها إن حلم حماس بتحقيق “الدولة الفلسطينية من النهر إلى البحر”، يمكن أن يقع في خطر إذا وافقت إسرائيل على حل الدولتين، لأن الفلسطينيين حينها سيكونون أقل انجذابا لهدف حماس وبرنامجها، ومن دون الدعم الشعبي بين الفلسطينيين لن تتمكن حماس من الوجود ككيان سياسي وعسكري.
وتعارض الحكومة الإسرائيلية حل الدولتين، الذي يدافع عنه قسم كبير من المجتمع الدولي بما في ذلك الولايات المتحدة.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن ما لا يقل عن 33634 فلسطينيا قتلوا حتى الآن منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، معظمهم من الأطفال والنساء، إلى جانب نزوح معظم السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة وتدمير جزء كبير من القطاع.
وبدأت الحرب عندما نفذت حماس هجوما على مستوطنات إسرائيلية في السابع من أكتوبر أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، واحتجاز 253 رهينة. وتقول إسرائيل إن نحو 130 شخصا ما زالوا محتجزين في غزة.
لماذا تحتاج إسرائيل لقيادة جديدة؟
ويقول أيالون إن الرد الإسرائيلي على ما ارتبكته حماس من فظائع في السابع من تشرين الأول تسبب في مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة، وكثير منهم من المدنيين، ومن بينهم آلاف النساء والأطفال، مشيرا إلى أنه بينما يختبئ قادة حماس في الأنفاق يظل المدنيون عزلا في خط النار.
وينظر الفلسطينيون للصراع بشكل مختلف عن الإسرائيليين، ويتسامح أغلبهم مع حماس أو يدعمونها لأنها في نظرهم تشن حرب تحرير ضد الاحتلال الإسرائيلي، بحسب أيالون، مشيرا إلى أن حماس تلقى دعما حتى في دول عربية وإسلامية.
ويدعو إيالون إسرائيل إلى استعادة “السرد” لما يحدث بالحرب بعد أن فقدت الأفضلية، خاصة بعد مقتل العاملين في منظمات الإغاثة، مشيرا إلى أن “تقديم حجة مقنعة لا يعني اختيار كلمات مختلفة”، بل يتطلب من إسرائيل “تغيير نهجها”، خاصة بعد فشل قادة إسرائيل في تحديد الأهداف السياسية للحرب، مؤكدا أن القتال مع الفلسطينيين لن يقرب إسرائيل من “سلام طويل الأمد”.
وفي مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة “أن بي أر” يقول أيالون إن “الخطأ الرئيسي الذي ارتكبه قادة إسرائيل.. عدم مناقشة اليوم التالي للحرب، وبمجرد أننا لا نعرف وصف اليوم التالي ليس لدينا أي مفهوم للنصر، وليس لدينا هدف سياسي”، وأشار بالنهاية “الحرب ليست سوى وسيلة لتحقيق واقع سياسي أفضل”.
وزاد أن قادة إسرائيل “لا يفهمون أننا عندما نخوض حربا ضد الإرهاب، فإننا نقاتل في بعدين: ساحة المعركة، ولكن من أجل هزيمة حماس علينا أن ننتصر في حرب الأفكار، ولا يمكننا أن نفعل ذلك باستخدام القوة العسكرية، الطريقة الوحيدة للقيام بذلك إيجادة أو تقديم فكرة أفضل”.
والدعوات لتغيير القيادات في إسرائيل وإجراء انتخابات أصبحت مطلبا متكررا في التظاهرات داخل إسرائيل، إلى جانب مطالبات من سياسيين أميركيين أبرزهم، تشاك شومر، زعم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي أشاد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بتصريحاته في مارس الماضي.
وحث أيالون إسرائيل على إطلاق مسار دبلوماسي يعيد إحياء “حل الدولتين” ولهذا إسرائيل تحتاج إلى “قيادة جديدة”، حتى يتسنى لها استعادة الدعم الذي تحتاجه من شركائها في أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة، للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
وأكد أيالون أن للتأثير التراكمي للرأي العام العالمي “بالغ الأهمية لاحتمالات فوز إسرائيل”، وإذا حرم شركاء إسرائيل من الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي في لحظة محورية بسبب ممارسة الضغط عليه من شعوبهم، فقد تخسر إسرائيل الحرب رغم النجاحات التي تحققها في ساحة المعركة.
ويذكر أيالون بالدعم العالمي لإسرائيل في التسعينيات بعد توقيع اتفاقيات أوسلو والتي كان يجب أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية، فرغم معارك إسرائيل حينها ضد “الإرهاب الفلسطيني” إلا أن المجتمع الدولي كان يعتبر معركة إسرائيل مشروعة لانخراطه في مسار دبلوماسي مواز.
ويشير إلى أن العالم يرى الآن إسرائيل “بحكومة تنكر وجود الشعب الفلسطيني، وتسعى لإقامة إسرائيل الكبرى بالمزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وفي غزة ربما أيضا، والتحرك نحو ضم أجزاء منها، أو جميع الأراضي الفلسطينية”، وبهذا فإن الحرب العادلة التي تخوضها إسرائيل في غزة تصبح عملا من أعمال “العدوان التوسعي”، وفق أيالون.
ويشدد أيالون على أن إسرائيل لن “تكسب هذه الحرب بمجرد نزع سلاح حماس والقضاء على قياداتها، وحتى لو انتصر إسرائيل في ساحة المعركة، فإيدلوجية حماس لن تختفي، ولن تهزم الجماعة حقا إلا عندما تفقد دعم الشعب الفلسطيني”.
واستطرد أيالون بالقول إنه لكي تفقد حماس الدعم “لا بد أن يكون لدى الفلسطينيين المزيد من الأسباب لجعلهم يؤمنون بالعملية الدبلوماسية التي من شأنها أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل”.
ونجاح هذا يحتاج من إسرائيل أمرين: اختيار قادة جدد، والعودة إلى هدف حل الدولتين كجزء من نهاية دبلوماسية الحرب، من أجل استعادة الدعم العالمي.
وفرض واقع حل الدولتين “ليس مجرد وسيلة لاستعادة الدعم الدولي” بحسب أيالون، ولكنه لتحقيق “نصر سياسي على حماس، وضمان أمن إسرائيل على المدى الطويل”.
وأعادت الحرب في غزة إحياء فكرة حل الدولتين في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد أن بقيت طي النسيان لعدة عقود، والتي تدفع بها أيضا حليف إسرائيل القوي الولايات المتحدة، حيث يصر الرئيس الأميركي، جو بايدن، على التأكيد أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي.
ودعا الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى عقد مؤتمر دولي حول هذه القضية في سبتمبر الماضي، قائلا إنها “قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين”.
في العام 2017، قالت حركة حماس للمرة الأولى إنها تقبل بمبدأ إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود ما قبل 1967، مع احتفاظها بهدف بعيد المدى يقضي بـ”تحرير” كل فلسطيني التاريخية.