مشكلة مجتمع متطرف وليست مشكلة نتنياهو فقط

بقلم: عماد الدين حسين

بقلم: عماد الدين حسين

أكبر خطأ يقع فيه العرب والعالم، هو الاعتقاد بأن العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة هو عدوان بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة فقط، وأنه في اللحظة التي سيختفي فيها نتنياهو أو يستقيل أو حتى يتم سجنه، فإن العدوان سيتوقف وستوافق إسرائيل على حل الدولتين والاعتذار للشعب الفلسطيني عن كل الجرائم المستمرة منذ النكبة عام ١٩٤٨.
هذا الخطأ الذي يقترب من الخطيئة يجعل غالبية العرب والعالم يعتقدون أن اختفاء نتنياهو وحكومته سيحل كل المشاكل. ومن سوء حظنا كعرب أننا نقع منذ عقود أسرى للاعتقاد بأن المشكلة مع إسرائيل تتعلق ببعض الشخصيات والأحزاب.
صحيح أن إسرائيل شبه منقسمة من الداخل، ولديها خلافات سياسية عميقة بين أحزابها، وخلافات اجتماعية أعمق بين مكوّناتها، خصوصاً بين الاشكناز والسفارديم وأيضاً بين العلمانيين والمتدينين، وهو ما برز في مشكلة الاحتجاجات الواسعة ضد قانون الإصلاحات القضائية. لكن الأكثر صحة هو أن غالبية الإسرائيليين متوحدون تماماً فيما يتعلق بنظرتهم وموقفهم «الاستعلائي» من الفلسطينيين ومن العرب.
لست متشائماً، ولكن كل من يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية خصوصاً بعد «طوفان الأقصى» في ٧ أكتوبر الماضي، وما أعقبه من عدوان إسرائيلي غير مسبوق ضد قطاع غزة، ومحاولات تهويد الضفة الغربية سيكتشف أنه لا فرق بين نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وغالانت وجميع قادة الاستيطان من جهة، وبين يائير لابيد وبيني غانتس وإسحاق هرتزوغ وايزنكوت إلا في الدرجة، وليس في النوع.
قادة التطرف مثل سموتريتش يريدون إجبار الفلسطينيين على الرحيل من أرضهم أو القتل، في حين أن المصنَّفين معتدلين زوراً يريدون تحقيق ذلك بصورة ناعمة لا تثير غضب الرأي العام الدولي.
نعم هناك كتابات ومواقف إسرائيلية منصفة ومقدَّرة ولكنها نقطة في بحر التطرف.
نتذكر أن بعض العرب ومنهم مثقفون كبار راهنوا قبل ذلك على حزب العمل الإسرائيلي وقادته خصوصاً شمعون بيريس باعتباره «المثقف المعتدل المسالم»، لكن هذا «المعتدل» الذي لعب دوراً مهماً في بناء برنامج إسرائيل النووي، ارتكب مجزرة قانا في لبنان في ١٨ نيسان١٩٩٦ بعد شهور قليلة من وصوله للمنصب، ما أدى لاستشهاد ١٠٦ مدنيين لبنانيين لجؤوا لمقر قيادة تابع لقوات اليونيفيل الدولية.
بيريس ترك المنصب وجاء بعده نتنياهو واضحاً زاعقاً صريحاً بلا أي مساحيق تجميل، فراهن العرب مرة أخرى على إيهود باراك قائد حزب العمل الجديد، لكن جوهر سياسته لم يتغير عن نتنياهو أو مناحم بيغن، ورفض أي تسوية سلمية حقيقية تقبل بالشرعية الدولية والدولة الفلسطينية المستقلة أو الانسحاب من الجولان.
جاء ارئيل شارون المتطرف من الليكود واقتحم المسجد الأقصى لينتفض الفلسطينيون، وتندلع الانتفاضة الثانية عام ٢٠٠٠ بعد يأسهم من أي تسوية سلمية تعيد لهم الحد الأدنى من حقوقهم.
اجتمع القادة العرب في قمة بيروت عام ٢٠٠٢ وقدموا «المبادرة العربية» ليقولوا لإسرائيل أننا نعرض عليكم السلام والتطبيع مقابل الأرض العربية المحتلة، لكن إسرائيل وبكل حكوماتها من اليمين المتطرف إلى يمين الوسط إلى اليسار المعتدل والخضر، رفضت كل ذلك، وأعلنت بوضوح أنها لا تقبل إلا بصيغة «السلام مقابل السلام»، ونجحت في ذلك إلى حد كبير، وأقامت علاقات مع العديد من الدول العربية، وبالتالي اقتنعت أنه ليس مهماً أن تعيد الحقوق إلى الفلسطينيين خصوصاً أنهم منقسمون ما بين «فتح» و»حماس».
في هذه الظروف بدأت تل أبيب خطتها لإكمال تصفية القضية الفلسطينية خطوة خطوة بالاستمرار في حصار غزة وتهويد الضفة الغربية.
وهكذا جاءت عملية «طوفان الأقصى» حينما شعر الفلسطينيون بأن آمالهم تتبخر، ومعظم الأشقاء ينصرفون عنهم، والعالم لا يشعر بهم. وفي المقابل استغلت إسرائيل العملية للإجهاز على غزة وتدميرها بالصورة الوحشية التي نشاهدها يومياً على شاشات التليفزيون.
هل رأيتم قوى سياسية إسرائيلية كبرى تعترض على تدمير غزة وتهجير سكانها، أو تهويد الضفة؟ هل رأيتم أي سياسي إسرائيلي ذي شأن يعلن ــ حتى ولو لفظاً ــ بأنه مع إنشاء دولة فلسطينية على أساس قرار ٢٤٢ و٣٣٨؟
المجتمع الإسرائيلي هو المتطرف وليس حكومته، لأنه هو من ينتخب الحكومات المتطرفة منذ عام ١٩٧٧ باستثناء فترات قليلة، ومعظم الإسرائيليين يؤمنون بأنهم فعلاً شعب الله المختار وأنهم أكثر علوّاً ومنزلة ورقيّاً وتحضُّراً من جميع «الأغيار» سواء كانوا عرباً أم عجماً!!.
حينما تتغير قناعات عموم المجتمع الإسرائيلي، يمكن وقتَها القول إنه جاهز للقبول بالتعايش السلمي الحقيقي والاعتراف بالحقوق العربية والفلسطينية.