هآرتس: السنوار لن يبكي على خصمه هنيه!!

بقلم: تسفي برئيل
يمكن الافتراض بأن اغتيال إسماعيل هنية، مثل اغتيال قادة كبار آخرين في حماس، كان على الأجندة عدة مرات في الأشهر العشرة للحرب. إذا كانت إسرائيل هي المسؤولة، فالمسألة الرئيسية التي وجهت متخذي القرارات هي: كيف يمكن لهذا الاغتيال أن يؤثر على المفاوضات حول صفقة التبادل وعلى احتمالية نجاحها؟ حسب مصدر إسرائيلي، هناك أسئلة رئيسية قد تكون مهمة لاتخاذ القرار. إذا تمت تصفية هنية، فمن سيكون عنصر الوساطة بين قطر ومصر من جهة ويحيى السنوار من جهة أخرى؟ أين ومتى يجدر تنفيذ عملية التصفية؟

“من ناحية عملية، كان هنية هدفاً سهلاً. فهو يتجول في العالم، زار تركيا ومكث فيها، وعاش في قطر، وسافر إلى إيران ومصر”، قال المصدر نفسه، وعبر عن تقدير كبير لقدرة الحصول على معلومات دقيقة في الوقت المناسب بشأن الغرفة التي تواجد فيها هنية في طهران. حول مسألة التوقيت “هناك مقاربة تقول إنه يمكن ويجب الانتظار إلى حين انتهاء المفاوضات، ويتم استكمال صفقة التبادل، وحتى إنه يمكن الانتظار إلى حين انتهاء الحرب. حسب اعتقادي، كان هناك اتفاق مبدئي على وجوب تصفية كل قادة حماس كجزء من استراتيجية القضاء عليها. ولكن لخطة بعيدة المدى”، قال المصدر نفسه. حول مكان الاغتيال، أشار هذا المصدر إلى أن هذه “قضية سياسية مهمة جداً. وإذا كانت إسرائيل هي المسؤولة، فلا يمكن تنفيذ عملية تصفية في دولة لديها علاقات مع إسرائيل: تركيا، رغم القطيعة الدبلوماسية بين الدولتين، وبالتأكيد لن تكون مصر، أو قطر التي لا تعد فقط دولة رئيسية في إدارة المفاوضات مع حماس، بل حليفة مقربة من الولايات المتحدة”.

ثمة اعتبارات أخرى تتعلق بسيناريوهات الرد المتوقعة، سواء على عملية اغتيال هنية أو بسبب المس بسيادة كل دولة من الدول تم فحص تنفيذ العملية فيها. يبدو أن الدرس الذي استخلص من تجربة اغتيال خالد مشعل في الأردن في 1997 تم استيعابه بشكل جيد. ومصر تم استبعادها بسبب منظومة العلاقات الحساسة والتوتر الكبير بين الدولتين أصلاً، إلى درجة الخشية من أن عملية كهذه قد تحدث قطيعة كاملة في العلاقات معها.

قطر تحظى بالحصانة، كما قلنا، ليس فقط بسبب تحالفها الاستراتيجي مع أمريكا؛ فبعد المصالحة بينها وبين دول الخليج وعودتها إلى حضن “مجلس التعاون الخليجي” فإن أي مس بسيادتها قد يمس بشبكة العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسعودية. الأيام التي كان يمكن لإسرائيل تنفيذ مثل هذه العمليات في دبي دون الخوف من تدهور سياسي، كما فعلت في عملية اغتيال محمود المبحوح في 2010، انقضت. تم طرح تركيا خياراً بين فينة وأخرى، لكن كدولة عضوة في الناتو كان يصعب توقع التداعيات الدولية لمثل هذه العملية.

ربما كان الخيار إيران، رغم خطر أن يؤدي مثل هذا الهجوم إلى رد فعل عسكري عنيف، مثل هجوم بصواريخ ومسيرات تعرضت له إسرائيل في نيسان بعد اغتيال الجنرال محمد رضا زاهدي، قائد “فيلق القدس” في سوريا ولبنان، في مبنى قرب السفارة الإيرانية في دمشق. يمكن التقدير بأنه مقابل الرد المتوقع، كان على إسرائيل إشراك الولايات المتحدة في خططها، ليس فقط تصفية فؤاد شكر في بيروت، بل تصفية هنية أيضاً، لضمان تجنيد “حزام أمان” ضد أي هجوم إيراني، رغم أنه من غير الواضح كيف سترد إيران. أمس، هددت بأن الرد سيكون قاسياً جداً

ألم يعد ضرورياً؟

وصل هنية إلى إيران الثلاثاء للمشاركة في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني الجديد المنتخب، مسعود بزشكيان، وأداء اليمين. التقى بزشكيان مع هنية ومع نائب رئيس حزب الله نعيم القاسم، ومع الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة. في هذا اللقاء الذي تمت تغطيته إعلامياً، تعهد لضيوفه استمرار إيران في دعم المقاومة. بعد بضع ساعات، عرفت إيران عن عملية الاغتيال، وسيحل محل الاحتفالات بتتويج بزشكيان حداد وطني لثلاثة أيام.

هل تدل عملية الاغتيال على أن المفاوضات لم تعد إسرائيل ترى فيها عاملاً حيوياً أو مفيداً لإطلاق سراح المخطوفين؟ والأهم هو: ماذا كان وزن مصير المفاوضات في اتخاذ هذا القرار؟ حسب مصادر تحدثت معها “هآرتس”، تبين أن إسهام ووزن هنية بدأ ينخفض في الأشهر الأولى للمفاوضات، لا سيما في آذار.

“كان الافتراض الأولي أنه يمكن الضغط على السنوار من أجل التوصل إلى الصفقة عن طريق تهديد قيادة حماس الخارج، التي يقيم معظمها في قطر”، قال أحد المصادر. في تشرين الثاني، قبل استكمال المرحلة الأولى من صفقة التبادل، طلب وزير الخارجية الأمريكي من قطر تهديد قيادة حماس بطردها من قطر، وبتجميد أو مصادرة أموال المنظمة، إذا لم يتم الدفع بالصفقة قدماً. قطر لم تعط أي جواب صريح. في آذار، نشرت الـ “سي.ان.ان” عن طلب مشابه نقله بلينكن لرئيس حكومة قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، تهديد قيادة حماس بالطرد. وهو طلب ردت عليه قطر بشكل غير رسمي، أنها ستكون مستعدة لفحص ذلك إذا طلبت الولايات المتحدة ذلك.

لكن تبين أن تهديد الطرد من قطر لم يؤثر على السنوار الذي يحتجز المخطوفين. إضافة إلى ذلك، في الشهر نفسه، حدث خلاف كبير بينه وبين هنية حول مسألة مدة وقف إطلاق النار المطلوبة لاستكمال مراحل الصفقة التي لم تستكمل حتى الآن. هنية طلب من السنوار الموافقة على وقف لإطلاق النار مدة شهر ونصف، ولكن السنوار صمم على وقف الحرب بشكل مطلق، بما في ذلك انسحاب إسرائيل بشكل كامل من القطاع كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات، وهو الشرط الذي تراجع عنه في أيار. قطر وإسرائيل والولايات المتحدة، استنتجت لاحقاً بأن هنية غير قادر على توفير البضاعة المطلوبة، لأن السنوار يعتبره “صبياً لنقل الإرساليات”، وظيفته نقل الرسائل. أو كما قال مصدر إسرائيلي، “لن يخرج الماء من هذه الصخرة”.

مشكوك فيه منذ البداية وجود مكان لتعليق الآمال بأن لهنية (أو قيادة حماس الخارج بشكل عام)، تأثيراً على السنوار. العلاقات بينهما وصلت إلى أزمة عميقة في العام 2021 عندما أجريت الانتخابات القيادة في حماس. السنوار، الذي أمل انتخابه بدون صعوبة لدورة ثانية رئيساً للمكتب السياسي في غزة، وجد نفسه أمام تحالف بين هنية والعاروري في محاولة لعزله.

كان هذا على خلفية عدة شكاوى تم الحصول عليها حول طريقة إدارة السنوار للقطاع وتعامله مع إسرائيل. المرشح لهذا المنصب من قبلهما كان نزار عوض الله، الذي فاز في الجولة الأولى، ولكنه لم ينجح في اجتياز سقف 50 في المئة من الأصوات. وفي الجولتين الثانية والثالثة، نجح السنوار في الفوز على عوض الله. وعلى الفور، بدأ في حملة تصفية الحساب مع هنية، وأبعد رجاله. حسب مصادر في حماس تحدثت مع وسائل الإعلام العربية، لم يشرك السنوار هنية أو قيادة حماس الخارج في خطته للحرب ضد إسرائيل، بما في ذلك خطة الهجوم في 7 تشرين الأول.

السنوار لن يتأسف على موت هنية

حتى لو استنتجت إسرائيل بأن إسهام هنية في تقدم المفاوضات غير جوهري، وحتى لو استنتجت بأن ضغط قطر عليه غير مثمر، وحتى لو استندت في القرار الذي نسب إليها عملية الاغتيال، إلى الافتراض الذي بحسبه لن يتأسف السنوار على موت هنية، مثلما لم يتأثر كثيراً من تصفية العاروري، فلنت تعرف إسرائيل كيف ستؤثر هذه التصفية على استمرار المفاوضات.

أحد الافتراضات أن السنوار سيستمر في المفاوضات حول وقف إطلاق النار والتوصل إلى صفقة التبادل، لأنها الطريقة الوحيدة لتحقيق إنجازاته الاستراتيجية على شكل انسحاب إسرائيل من القطاع وإطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين. حسب هذا الافتراض، ومثلما لم يجمد السنوار المفاوضات بالكامل بعد عملية اغتيال محمد ضيف (الأمر الذي لم يتم تأكيده حتى الآن)، فإنه لن يوقف المفاوضات أيضاً بعد هنية. نأمل بأن تكون هذه هي النتيجة.

وثمة افتراض متفائل آخر، يبدو غير واقعي، وهو أن إسرائيل أرادت خلق توازن بين الاستعداد للانسحاب من القطاع من أجل التوصل إلى تحرير المخطوفين، العملية التي ستعتبر هزيمة سياسية لنتنياهو، وبين الإنجاز الذي يتمثل في تصفية هنية. إضافة إلى هذا الافتراض، يثور سؤال: هل قررت إسرائيل نفسها أنه لم يعد هناك أي فائدة من استمرار المفاوضات، لذلك يمكن الانتقال إلى المرحلة القادمة في المعركة ضد حماس وتسجيل إنجاز استعراضي، حتى لو كان ذلك على حساب حياة المخطوفين؟

شاهد أيضاً