السياسي – تحتلّ الحرب على غزة كل شاشات التلفزة الإسرائيلية، ويعلّق مقدّمو الأخبار والبرامج شريطا أصفر على ملابسهم يرمز إلى التضامن مع الاسرى في القطاع، لكن يغيب تماما كل حديث عن مصير الفلسطينيين في القطاع المدمّر.
وتناول تقرير لوكالة فرانس برس، ملامح خنق الصوت الفلسطيني في كل وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الوقت الذي يتابع فيه الإسرائيليون كل مساء عبر شاشات التلفزيون مجريات العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش في قطاع غزة.
ويقول عالم الاجتماع المتخصّص في وسائل الإعلام والأستاذ في جامعة تل أبيب جيروم بوردون إن الهجوم كان «مفاجأة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، أعطت وسائل الإعلام الأولوية المطلقة لمعاناة إسرائيل وصدمتها التي لم تنته بعد»، على حد قوله.
وأضاف: «في المقابل، تعد صحيفة هارتس اليومية ذات التوجه اليساري والموقع الإخباري +972 من بين الوسائل القليلة في المشهد الإعلامي الإسرائيلي التي تجري تحقيقات عن قطاع غزة، بعضها يدين الجيش الإسرائيلي بتهم تعذيب المدنيين أو استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد وضرب الأهداف، لكن جمهورها يبقى محصورا في أقلية من المثقفين اليساريين».
وأوضح بوردون أنه عندما تخصّص المحطات الإسرائيلية مواضيع للفلسطينيين يكون هناك «اختلاف في زاوية المعالجة بالمقارنة مع وسائل الإعلام الأجنبية».
ويشير بوردون، على سبيل المثال، إلى تغطية الهجمات التي ينفذّها المستوطنون اليهود ضد قرى في الضفة الغربية المحتلة حيث تفاقمت أعمال العنف منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، إذ يتناول الصحفيون الإسرائيليون الموضوع من زاوية أن «الجيش فشل في ثني المستوطنين عن تنفيذ تلك الهجمات، بدلًا من القول إنه فشل في حماية الفلسطينيين».
-تجاهل المعاناة الإنسانية
وقال الصحفي أورين بيريسكو لفرانس برس، وهو يعمل في موقع «العين السابعة» الاستقصائي المتخصّص في وسائل الإعلام، إنه توجد أربع محطات تلفزيونية ذات محتوى عام في إسرائيل، القناة 11 العامة، والقناة 12 «الأكثر مشاهدة»، والقناة 13 «الأكثر انتقادا»، والقناة 14 التي تمثّل «أداة دعاية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو».
وأضاف أنه بعد تحليل ساعات من نشرات الأخبار والبرامج الساخرة أو الحوارية، خلص صحفيو الموقع إلى أن «جميع المحطات في إسرائيل من القناة 11 وحتى 14 لا تعرض صور المعاناة الإنسانية في غزة».
وتابع: «يمكن لتلك المحطات أن تظهر صورا للأنقاض، أو لمبنى تعرّض للقصف، لكنها لا تعرض قصص الأفراد المتضررين».
ويشير تقرير فرانس برس، إلى أنه حتى قبل تنفيذ المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كان الصوت الفلسطيني محجوبا في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ويبقى اليوم مغيّبا لدعم المجهود الحربي.
-انحياز واضح
على الشريط الإخباري في أسفل شاشة القناة الـ14 ذات التوجه المحافظ المتطرف، وعلى موقعها الإلكتروني، يمكن قراءة العبارة التالية «القضاء على 40 ألف إرهابي».
وتوضح الصحفية في القناة هاليل بيتون روزن لوكالة فرانس برس أن تغطية الحرب ترتكز على «دعم القوات المقاتلة التي تحمي البلاد والمواطنين من الإرهابيين الخبثاء الذين ارتكبوا المجزرة الرهيبة، ومن كل من يدعمهم»، حسب تعبيرها.
وفي نهاية يوليو/ تموز، أوقف جنود إسرائيليون في إطار التحقيق في سوء معاملة معتقل فلسطيني، بعد تسرّب مقطع فيديو تداولته وسائل إعلام محلية على نطاق واسع.
لكن القناة الـ12 الأكثر متابعة مع حوالى 20% من نسبة المشاهدة في إسرائيل، طرحت نقاشا عما «إذا كان تعذيب الإرهابيين والاعتداء عليهم جنسيا أمرا مشروعا أم لا».
ويكشف أحد الصحفيين النجوم في القناة مفضلا عدم ذكر اسمه، أن هناك تحوّلا وقع وسط هيئة تحريرها بين «ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وما بعده».
وأضاف معربا عن أسفه: «هناك تركيز على الرعب الذي عشناه وليس على قصص الفلسطينيين».
وأكّد صحفيون إسرائيليون لوكالة فرانس برس أن غياب مواضيع تتناول أوضاع سكان غزة ليس ناجما عن «تعرضهم لضغوط»، بل لكونهم «ما يزالون تحت وقع الصدمة» منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، أو لأنهم «لم يعودوا يثقون بالفلسطينيين».
ويعتقد عدد من الصحفيين الإسرائيليين أن وسائل الإعلام الدولية منحازة في تغطيتها للحرب إلى الجانب الفلسطيني.